العرب بلا "ورقة التوت"!
انتهى اجتماع لوزان الذي عقد أول من أمس، بين وزيري الخارجية الأميركي والروسي، وبحضور الدول الإقليمية المعنية بالملف السوري، بلا نتائج. ثم طار جون كيري بعد ذلك إلى لندن لحضور اجتماع مع شركائه الأوروبيين لبحث ما ترتب على فشل المجتمع الدولي في إنهاء "المذبحة" الروسية في حلب!
الأهمّ من اجتماع لوزان، كان ما خرج به اجتماع الرئيس الأميركي باراك أوباما، مع مجلس الأمن القومي الأميركي؛ إذ انتهى إلى الإقرار بأنّ الخيار الوحيد المتاح أمام الإدارة الأميركية هو الخيار الدبلوماسي، وأنّ كل ما قيل عن الخيارات الأخرى هو خداع وإضاعة للوقت، فالوقت فات على ذلك.
الأميركيون سلّموا سورية للروس والإيرانيين الذين يدركون تماماً بدورهم أنّ أميركا اليوم مكبّلة، لا تملك القيام بأي شيء في سورية؛ فالبديل الآخر هو الفصائل الإسلامية، ومن ضمنها "جبهة فتح الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً)، وهو خيار لا يفضّله الأميركيون. وتشي مبادرة المبعوث الدولي ستافان دي ميستورا، بأنّ هناك "تفويضاً" دولياً للروس بإنهاء ملف حلب.
لا يختلف الوضع كثيراً في العراق، ونحن على أبواب معركة الموصل. فالصراع محتدم حالياً بين كل من إيران -ومعها حكومة حيدر العبادي- من جهة، والأتراك الذي ولجوا بجيشهم إلى شمال العراق من جهةٍ أخرى، بشأن من سيحصل على حصّة "داعش" في محافظة نينوى!
الأتراك، كذلك، منشغلون بمعارك ريف حلب الشمالي مع تنظيم "داعش"، بعد أن سحبوا أيديهم من ملف دعم المعارضة السورية المسلّحة، وأصبحت أولوياتهم منع إقامة دولة كردية في المناطق المحاذية لهم شمال سورية، وإيجاد موطئ قدم لهم في كل من العراق وسورية يحمي الأمن القومي التركي.
أمّا النظام الإقليمي العربي، فانفجرت داخله الخلافات المسكوت عنها بين السعودية ومصر تجاه الملفات الإقليمية، وتحديداً فيما يخص سورية، بعدما صّوتت مصر قبل أيام لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي، ما دفع السجالات الإعلامية بين النخب الإعلامية والسياسية في الدولتين، مرّة أخرى، إلى الواجهة، لتكشف ما يتردد في الأروقة الرسمية في الرياض والقاهرة، ولا تبوح به الخطابات الدبلوماسية المجاملة بين المسؤولين.
ولعلّ "التغريدة" التي أطلقها خالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السعودي السابق، تختزل حجم المرارة لدى الرياض من موقف القاهرة، عندما "خاطبه قائلاً: أنسيتم مواقفنا معكم كأشقاء"! وهي مرارة تتجاوز الجانب الشخصي والعاطفي إلى الجانب الأكثر أهمية اليوم، وهو الاستراتيجي. فهناك انكشاف استراتيجي عربي غير مسبوق، منذ الحرب العالمية الأولى، عندما جرى توزيع "الحصص العثمانية" على الدول الغربية، في مرحلة الاستعمار إلى نهاية الحرب العالمية الثانية.
أمّا اليوم، فالحصص توزّع بين الدول الإقليمية والروس، ويتشكّل محور جديد قوي فاعل في المنطقة، هو المحور الإيراني-الروسي، بينما يمتد نفوذ طهران من بغداد إلى دمشق، فبيروت، وصولاً إلى صنعاء في اليمن، ما يكشف حجم الفراغ الإقليمي المترتب على غياب أي نظام إقليمي عربي فاعل اليوم.
تكشّفت هشاشة محاولات "المعسكر المحافظ" العربي إيجاد أي صيغة تؤكّد وجوده. ولم تعد هناك أي ورقة توت تغطي الواقع المرير بأنّ العرب بلا أي نظام إقليمي. وتحققت نبوءة برنارد لويس التاريخية المعروفة بأنّ الأطراف الثلاثة الفاعلة في مستقبل المنطقة العربية ستكون إيران وتركيا وإسرائيل!
(الغد2016-10-17)