أهي «الحرب» على روسيا.. بعد شيّطنتها والتخويف منها؟ (1-2)
لم تكن اجواء العلاقات بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الاميركية على هذه الدرجة من الاحتقان والتوتر التي هي عليه الان، بعد انتهاء الحرب الباردة منذ ازيد من ربع قرن بقليل، ما يؤشر على احتمال «انفجار» هذا الوضع على نحو مفاجئ، رغم إدراك الطرف الاميركي اهمية وضرورة عدم الانزلاق الى مواجهة كهذه’يعمل اصحاب «المصلحة» في اندلاع حرب مُدَمِرة ومُكلِفة, على التحضير لها والدعوة اليها, بِسوق المزيد من الحجج والمزاعم والاحبولات الاعلامية والحرب النفسية، كي تغدو «حقيقة»ويقيناً, يعرف العالم انها»قد» تبدأ في اي لحظة, لكن الجميع سيكون عاجزا عن التنبؤ بالمدة التي ستستغرقها والاكلاف البشرية والمادية التي ستترتب عليها, وخصوصا في كيفية وقفها وعلى اي اسس او اتفاقات او معاهدات, وماذا اذا كانت ستنتهي باستسلام احد «المعسكرين» او حدوث «إفناء» وخراب مُتبادَلين, لا يخرج منهما احد منتصرا؟.
مناسبة الحديث والتساؤل الذي كان عنوان المقالة, هو ردود الفعل الاميركية «الرسمية» والحزبية على ما يحدث الآن من ارتباك وتراشق الإتهامات على الساحة الاميركية,داخلياً وخصوصاً خارجياً, تلك المواكِبة لِمعركة الانتخابات الرئاسية التي بات يفصلنا اسبوع واحد عن معرفة نتائجها (الثلاثاء المقبل 8/11) وبخاصة بعد «عودة» مكتب التحقيقات الفيدرالي الاميركي «FBI» فتح التحقيق في استخدام المُرشَّحة الديمقراطية هيلاري كلينتون, بريدها الالكتروني «الشخصي» عندما كانت وزيرة للخارجية.
اطرف بل الاكثر غرابة في ردود فعل قادة الحزب الديمقراطي, الذين يقفون خلف مرشحتهم (على عكس معظم قادة الحزب الجمهوري الذي «لا» يُساندون مرشحهم دونالد ترامب) مسارعة «احدهم» الى اتهام مدير مكتب ال(إف بي آي) جيمس كومي, بِتقويض الثقة بمؤسسته و»التعاطُف» مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
هي»الروسيا فوبيا» اذاً, التي باتت «سلعة» في البازار الاميركي الانتخابي,حيث كل شيء سيئ وقذر وتآمري في الحياة الاميركية السياسية والحزبية وخصوصاً المخابراتية والعسكرتارية,بات يُلصَق بروسيا ورئيسها «المتّْهَم» بـِ»الحنين» الى الحقبة «السوفياتية» وأن «حلم» استعادتها يستبد به, وان الرجل يريد فرض رأيه على واشنطن «المُتراجِعة» قوتها ودورها ونفوذها في عهد اوباما التارك قريباً, وأن «الجشع» الروسي لا حدود له، بعد ان نجح بوتين في تلقين جورجيا درساً قاسياً العام 2008 وقام «بضّم» شبه جزيرة القرم في العام ,2014 وها هو «يستعرض» قوته العسكرية في البحر المتوسط وعبر بحر المانش (عبور حاملة الطائرات الادميرال كوزنستوف... قادمة من بحر الشمال قاصدة الساحل السوري): وغيرها من الذرائع والفبركات التي تَبرَع المخابرات الاميركية واتباعها في اوروبا و الشرق الاوسط.. في اختراعها وترويجها.
ليس ثمة ما هو اكثر وضوحاً من حال «الروسيا فوبيا» وعملية الشيطنة والتخويف من «القوة العسكرية» الروسية, التي باتت رائجة في الخطاب السياسي والإعلامي والإستخباري الاميركي(لا تنسوا «الأطلسي»..أيضاً) من الاتهامات التي تُساق بلا توقف للمرشح الجمهوري دونالد ترامب, الذي وُصِفَ ويُوصَف, بأنه «عميل» و»اداة» في يد بوتين, وان اميركا تحت قيادته (في ما لو نجح في انتخابات الثامن من الشهر الجاري) ستكون «تابعة» لموسكو, وغيرها من المخاوف التي لا يمكن لعاقل ان يصدقها وخصوصا اؤلئك الذين يعرفون التركيبة الاميركية الحقيقية وحقيقة الذين يُمسِكون بالخيوط كافة في الولايات المتحدة, واستحالة خروج احد مهما كان, على ما يريده حُرّاس «الهيكل» وكرادلة المؤسسة (الاستبلشمنت) الاميركية او ما يصفه البعض بـِ(السيستم).
وإذا ما اخذنا في الاعتبار الاتهامات التي سيقت لروسيا والاجهزة الاستخبارية الروسية, والتي رددها مسؤولون في ادارة اوباما كذلك طاقم حملة هيلاري كلينتون الانتخابية, بأن موسكو هي التي تقف خلف اختراق النظام الانتخابي الاميركي وبريد الحزب الديمقراطي(دع عنك الوثائق التي يواصل «ويكيليكس»نشرها واتهام روسيا بأنها توفِرالمعلومات لـِ»جوليان اسانج») بهدف التشويش عليه وارباكِه, وبالتالي توفير الاجواء لفوز ترامب (مرشح بوتين كما يقولون)، فإننا بالفعل امام مشهد سوريالي اميركي, يدعو للرثاء والإشفاق, اكثر مما يستدعي الضحك والاستغراب والتساؤل, عمّا إذا «غدت» الولايات المتحدة الاميركية «جمهورية موز» جديدة, على النحو الذي فَرَضَت فيه واشنطن نموذجا كهذا, على جمهوريات اميركا اللاتينية, التي كانت ترى فيها (وما تزال) حديقة خلّفِية لها, وفضاءً لشركات الفواكه الاميركية التي كانت تنهب ثرواتها وتستعبد قواها العاملة وتترك لمخابراتها المركزية وسفاراتها, مهمة تدبير الانقلابات العسكرية واغتيال الزعماء المُنتخَبين, والتحالف مع كارتلات المخدرات لمحاربة الحركات والاحزاب اليسارية والوطنية, الرافضة لهيمنتها ونهجها الامبريالي على مقدرات شعوب القارة اللاتينية؟
تساءل بوتين في معرض نفيه لتدخل موسكو في العملية الانتخابية الاميركية الجارية الان, عما إذا اصبحت اميركا جمهورية موز، لكن احداً عبر المحيط الاطلسي, لم يُعِر تساؤله أهمية، ليس فقط لانه لا يملك جواباً على تساؤل الرئيس الروسي, بل ودائماً لأن عملية «شحن»وتحريض وتحضير ميداني ولوجستي, تجري على قدم وساق لنقل الاحتقان والتوتر المتزايِدَين مع روسيا, الى مرحلة اكثر سخونة وربما «انفجارية».
.. للحديث صلة.
(الراي2016-11-01)