سمك، لبن، تمر هندي
أعضاء مجلس النواب الجديد يسابقون الوقت في عملية تشكيل الكتل النيابية، تمهيداً لحصد كل كتلة أكبر حجم من "الكعكة"؛ رئاسة المجلس، والمكتب الدائم، واللجان ورئاستها. إذ أصبح لدينا 5 كتل نيابية، وتوقعات بالإعلان عن الكتلة السادسة قريباً.
أول من أمس، تمّ الإعلان عن تأسيس الكتلة الديمقراطية من 16 نائباً، يشكّلون مجموعة من النواب السابقين والجدد، وهي خليط بين نواب مستقلين ومحسوبين على حزب "زمزم". في الأثناء، يوشك نواب آخرون على الإعلان عن تشكّل كتلة "العدالة"، وهناك بالطبع كتلة "الإصلاح"، المرتبطة بالتحالف الوطني للإصلاح وحزب جبهة العمل الإسلامي، وتشير التسريبات إلى تخلّي بعض النواب المحسوبين عليها عنها فور وصولهم إلى القبة، وهو أمر كان متوقعاً. في المقابل، هناك كتلة "الوفاق الوطني" التي يتوقع أن تكون الأكبر عدداً.
الحراك الحالي شمل حتى اللحظة، وفقاً لتقرير "الغد" أمس، قرابة 98 نائباً، فيما بقي 32 نائباً تائهين لم يجدوا "كتلة" يأوون إليها.
بالرغم من أنّ هناك تقليداً بدأ يتكرس بعد تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب، يجعل من "الكتل النيابية" بمثابة "الوحدة الرئيسة" في المجلس، إلا أنّ "معضلة" الكتل ما تزال قائمة وفاعلة، وهي أنّها أشبه بالأشكال الصمّاء الهلامية، غير واضحة الألوان والأبعاد والزوايا؛ فإلى الآن لا يوجد "معيار" مفهوم واضح في تشكّل أي كتلة، باستثناء كتلة الإصلاح (جبهة العمل الإسلامي).
التيار الآخر واضح المعالم تحت القبة، هما نائبا "تيار معاً" (التيار المدني الديمقراطي)، ولم ينخرطا حتى الآن في أيّ كتلة تحت القبة، ولا يجدان نفسيهما، كما أخبرني الصديق النائب خالد رمضان، في هذه "المعمعة"، لغياب أي معيار حتى الآن في تشكيل الكتل، الذي يتم وفقاً لمعركة "المكتسبات العاجلة" (أي المواقع الرئاسية والإدارية في المجلس)، فتتشكل الكتل وتنفرط من دون وجود أي أساس آخر لهذه العملية.
من المفيد أن نفهم من "المجموعة" المحسوبة على حزبي "زمزم" و"الوسط" (لا نعرف إلى الآن تحديداً كم عددها!) ما هي المعايير التي ينتظم أفرادها من خلالها مع هذه الكتلة أو تلك، أي ما الذي يجمع عدنان أبو ركبة، مثلاً، بإبراهيم أبو العز بمصطفى ياغي؛ ما هو البرنامج، إن كان هناك برنامج؟
المفارقة المحزنة أنّ المجلس السابق، برغم أنّه جاء على قاعدة قانون انتخاب الصوت الواحد، شهد في البداية تشكّل كتل لها ألوان واضحة. وهي وإنّ لم تكن الكبرى، إلا أنّها أحدثت فارقاً واضحاً، فكانت كتلة التيار اليساري الديمقراطي، التي ضمّت نوعية بينها قاسم مشترك، ثم "المبادرة النيابية"، التي شكّلت تياراً عابراً للكتل (يحاول تيار "معاً" وراثة هذا النهج في المجلس وتطويره)، وكانت هناك كتلة رئيس المجلس السابق، عاطف الطراونة، التي شكّلت تحالفاً أكثرياً ورث التيار الوطني، الذي شكّله سابقاً عبدالهادي المجالي رئيس مجلس النواب الأسبق.
المجلس الحالي، الذي جاء على قانون القائمة النسبية، ما اعتُبر إنجازاً مهماً بتجاوز الصوت الواحد، ما يزال ضائعاً وتائهاً في عملية تشكيل الكتل، ولا نجد حتى اللحظة سوى الإخوان المسلمين لهم لون واضح، بعد أن انسحب منهم اثنان من النواب، أي أصبحوا 13 نائباً، حتى اللحظة!
وبالرغم من قانون الانتخاب الجديد، ومن تعديل النظام الداخلي، إلا أنّ المؤشرات الأولية تدلّ على أنّنا ما نزال ندور في حلقة مفرغة، وأنّ العمل النيابي المنظّم لم يتطوّر بعد، وعملية تشكيل الكتل وطبيعة الاستقطابات الداخلية الحالية مؤشر مهم على هذه الحال. وإذا كان هناك وصف لحراك المجلس الحالي، فهو المثل المصري المعروف "سمك، لبن، تمر هندي"!
(الغد2016-11-01)