التعليم: أولويات تستحق التفاعل
جيد ومطلوب التفاعل مع قضية تعديل المناهج التعليمية. لكن اختصاص مسألة محدودة ومحددة بالجدل والاحتجاجات والمظاهرات، يحول قضية كبرى شاملة ومعقدة (التعليم) إلى مطالب محدودة لا تمس جوهر التعليم وتحدياته باعتباره وظيفة أساسية وكبرى للدول والمجتمعات والأفراد، ومحور المواطنة والتنمية والإعداد للحياة والعمل، وتتصل بها منظومة واسعة من السياسات العامة في الإنفاق والتحولات التقنية المؤثرة على التعليم والعمل والأسواق والتنمية والمهارات المعرفية والحياتية والهوية والعنف والكراهية، كما ترتبط بها منظومة أخرى واسعة من المناهج والكتب والمدارس والمعلمين والإدارات التعليمية والعلاقة بين الدولة والمجتمع ودور القطاع الخاص في التعليم... إلخ.
هناك أولويات واحتياجات كبرى يفترض أن يجري جدل واسع حولها، كما يجب إقامة شراكة مجتمعية وشركاتية واسعة مع السلطة السياسية في إدارة وتنظيم التعليم. ويمكن، على سبيل المثال، طرح مجموعة من القضايا والأسئلة والجدالات المقترحة للمشاركة الاجتماعية في السياسات التعليمية؛ الأهداف والمهارات المعرفية والمهنية والعامة والحياتية المفترض أن يحصل عليها الطلبة في مراحل التعليم الأساسي، ثم الثانوي والجامعي؛ وعلاقة هذه الأهداف والمتطلبات بالعمل والتنمية والسلوك الاجتماعي وأسلوب الحياة؛ والمعلمون والارتقاء برسالتهم وحالتهم الاجتماعية والاقتصادية ليكونوا قادة اجتماعيين ومعرفيين ومؤثرين في التعليم والسياسات العامة؛ وتحسين الأبنية المدرسية وصيانة المرافق والإضاءة والتهوية والتدفئة لتستوعب التلاميذ والطلبة في ظروف حياتية جيدة؛ ومدى توافر المختبرات والمكتبات والمسارح والملاعب والعيادات والمطاعم للمدارس؛ وتفعيل وتطوير المقررات الصفية واللاصفية في الرياضة والفنون والإبداع؛ وتفعيل وتطوير الإرشاد التربوي والاجتماعي والنفسي؛ وتصميم وتطوير الطرق والأرصفة والمواصلات ليتمكن الطلبة من الذهاب إلى المدارس والعودة إلى منازلهم في أمان وسهولة ومشيا على الأقدام بشكل أساسي أو على دراجاتهم. وتطوير القدرة الاستيعابية للمدارس ليكون في مقدور كل طالب التسجيل في مدرسة الحي الذي يعيش فيه. واقتباس التجارب والنماذج التعليمية الناجحة والتي يقبل عليها المواطنون اليوم وينفقون عليها مبالغ طائلة، لتطبيقها وتعميمها في جميع مدارس المملكة. وتفعيل المسؤولية الاجتماعية للأفراد والشركات تجاه المدارس والتعليم، وتحسين البيئة الوظيفية للعاملين في القطاع الخاص التعليمي ووقف الانتهاكات تجاه المعلمين والعاملين ومخالفات قانون العمل. واستيعاب التحولات التقنية وبخاصة الشبكية والحوسبة القائمة في العالم اليوم، وتأثيراتها الإيجابية والسلبية على التعليم، وما يمكن أن تنشئه من فرص وتحديات في تطوير العملية التعليمية والدور الجديد المتغير للمعلمين والمناهج والمدارس والمؤسسات التعليمية، وربما إعادة تعريف وتوصيف المعلمين والمدارس والمناهج والتقاليد والسياسات التعليمية المتبعة... وربما تتغير المؤسسات والأفكار التعليمية تغيرا جذريا.
وتستحق هذه التحولات الكبرى وقفة مستقلة وخاصة بها، لأنها يفترض أن تغير اتجاهات الجدل والتفكير والنظر في واقع ومستقبل التعليم، وبخاصة أنها تحولات تلغي معظم المهن والأعمال القائمة اليوم، وتنشئ أعمالا ومهنا ووظائف أخرى بعضها بدأ بالتشكل بالفعل. وسيكون السؤال "ماذا نريد من التعليم؟" بعد سنوات قليلة، مختلفا اختلافا كبيرا عما نتجادل عليه اليوم. وربما يكون كل أو معظم ما نتجادل حوله أو نعلمه لأبنائنا عديم الجدوى، ولن يكون مفيدا أو موجودا في السنوات القليلة المقبلة.
(الغد 2016-11-02)