المأساة اليمنية.. ولعبة شراء الوقت !
إعلان «طرفا» الازمة اليمنية المتمادية والمتفاقمة والمفتوحة على مزيد من الكوارث والنكبات, خصوصا المجاعة التي بدأت تفتك بعشرات بل مئات الالوف من اليمنيين, بعد عام ونصف وازيد من المذابح والارتكابات وجرائم الحرب المجنونة والتي بلا كوابح او ضوابط او التزام انساني او اخلاقي بقوانين الحرب، إعلانهما «رفض» خريطة الطريق التي اعلن عنها المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ, قدّم بعدها «إحاطة» في مجلس الامن, هذا المجلس الذي يُبدي «مرونة» واضحة بل استهتارا وبلادة لافتتين في شأن المسألة اليمنية، على نحو يكشف مدى خضوعه الى «لعبة» التمييع وشراء الوقت,يوحي بان الامور في اليمن, آخذة في التحوّل الى حرب إفناء وتجويع وارض محروقة، اذا لم يتم استدراك الامور وممارسة المزيد من الضغوط على الاطراف المشتركة في هذه الحرب التي تبدو «منسية» من قبل العالم الغربي, خصوصا «العربي» بقرار مُسبَق، يأخذ في الاعتبار «عن قصد» معادلات تحالفية ومصالح اقتصادية وحرتقات سياسية يروم من ورائها, عدم إغضاب اطراف ذات ثقل «ما»... في المنطقة.
ان يقول ولد الشيخ انه «عائد» الى المنطقة لاستئناف المشاورات مع الأطراف في صنعاء والرياض (يقصد جماعة هادي) للتوصل الى اتفاق سياسي مُفصّل بناء على خريطة الطريق، يعني ان الرجل يريد الايحاء بانه لن «يستسلم» ولن تثنيه عن مساعيه ,الانتقادات اللاذعة والاتهامات المباشرة التي وجهها له طرفا الازمة اليمنية, بدءا من جماعة انصار الله (الحوثيون) الذين عابوا عليه ما جاء في احاطته امام مجلس الامن, حيث اتهمه رئيس الوفد المفاوض (محمد عبدالسلام)، بانه» تجاوَز دوره كوسيط وافتقد الحياد ويقوم بدور التضليل عن الواقع, وبخاصة ان حديثه الكاذب عن استهداف مكة، يُثبِت انه مجرد «بوق» اعلامي لدول العدوان (يقصد التحالف).
اما مندوب اليمن خالد اليماني فقال مُنتقداً: اي افكار لا تؤدي الى وضع نهاية للانقلابيين والانسحاب من المدن وتسليم الاسلحة والصواريخ، إنما تشكل تماهيا مع الميليشيات وقبولا بمنطق الارهاب. ثم يمضي قائلاً: السلام المستدام، لن يتحقق بمكافأة الانقلابيين على انقلابهم وتسليمهم «السلطة».. على طبق من ذهب.
ثمة من لا يزال في اليمن يدّعي انه تبقّى شيء في ذلك البلد المنكوب اسمه «سُلطة»,ولهذا هم يخوضون تلك الحروب، مباشرة او بالوكالة، دفاعاً عن هذه السلطة المُدّعاة او المطلوب الاستيلاء عليها، دون ادراك لحقيقة الكارثة التي حلت باليمن «دولة» وشعبا وبنى تحتية وعمرانا واقتصادا, وحتى مجرد حياة في حدودها الدُنيا.. بعد ان فتكت المجاعة والامراض بأطفال اليمن وشبابه وشيبه ونسائه.
ماذا عن «خريطة» ولد الشيخ؟.
اذا ما اعتمدنا على ما تم تسريبه من نقاط «جوهرية» ، فان الشق المتعلق بجماعة هادي في هذه الخريطة, يقضي تماما على المستقبل السياسي للرئيس ونائبه, حيث تنص الخطة على مغادرة «النائب» على محسن الأحمر, موقعه مباشرة بعد توقيع الاتفاق، فيما تمنح هادي مهلة ثلاثين يوما فقط, كي يتم نقل «صلاحياته» الى «نائب جديد» للرئيس مُتوافَق عليه ما يعني.. تجاوزه.
لهذا رَفَضَ هادي تسلّم «مسودة» الخريطة من ولد الشيخ, وراح يتمسك بالشروط السابقة, التي كان يمكن ان تكون ذات وزن في المسألة اليمنية قبل عام من الان، لكن المتغيرات الميدانية جعلت منها مجرد «همروجة» في سوق المزايدات السياسية, التي تخضع لها «الحروب» الكارثية الدائرة في اليمن وعليه.يتمسك هادي إذاً بالمرجعيات الثلاث وهي: المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الأُممية ذات الصلة، وعلى رأسها القرار 2216, ثم يواصل حملته على خريطة المبعوث الاممي ليصفها بانها «لا تحمل الا بذور الحرب, إن تم استلامها او قبولها والتعاطي معها, لانها «تُكافئ» الانقلابيين وتعاقب الشعب اليمني و»شرعيته» التي «ثارت» في وجه الكهنوت والانقلابيين.
هنا يكمن السَّر الذي تستبطنه مفردات وعبارات هادي, رغم ان خريطة ولد الشيخ ليست سوى إعادة انتاج او إعادة ترتيب لـ(مبادرة) جون كيري التي طرحها في آب الماضي وجاء ولد الشيخ ليعيد ترتيب الاولويات, بِمنح الاهمية بداية لقيام حكومة توافقية ثم اقصاء الاحمر ونقل صلاحيات هادي لنائب رئيس توافقي, ثم تليها الخطوات التي «تمسّ» هيمنة انصار الله وحزب المؤتمر ,حين تُطالِب الحوثيين بتسليم الاسلحة الثقيلة الى طرف ثالث يتم التوافق عليه, والانسحاب من صنعاء والمدن الاخرى والإبتعاد عن الحدود السعودية (30) كيلومترا.
فكيف يمكن التوفيق بين «قراءتين» يُدرِك الجميع ان إحداهما, لا تملك قرارها وهي انما تريد التمسك بمواقعها (الوهمية) ناظرة بازدراء ولا مبالاة لمعاناة الشعب اليمني الذي تدعي تمثيله والنطق باسمه، فيما تدوي في الفضاء صرخات الثكالى واليتامى والجوعى والمشوهين والانهيار التام للدولة ومؤسساتها حيث لا رواتب ولا قيمة شرائية لعملة تهاوت بعد ان لجأ «هادي» الى نقل البنك المركزي الى عدن, وفاقم الازمة الاقتصادية في بلد يُعد من افقر دول العالم بل ثمة من يقول ان هادي يستعد لطرح دستور جديد للبلاد. والدعوة الى التصديق على «مسودته» التي باتت جاهزة؟.
استمرار الحرب سيؤدي الى اندلاع حريق اقليمي.
(الراي2016-11-03)