ماذا يحدث في حركة فتح؟
جديد وغير مسبوق هذا الذي نسمعه منذ أسابيع وشهور داخل حركة فتح. وحين يصل الأمر حد اتهام خلية من أبناء الحركة بالتخطيط لاغتيال قياديين فيها، ويجري اعتقال ناطق سابق باسمها في القدس، وقبله آخرون، مع فصل لبعض آخر، فهذا يعني أن الأمر غير عادي ويستحق التوقف.
من السهل حشر كل هذا الذي يجري في إطار الصراع الدائر بين عباس وفريقه من جهة، ودحلان وفريقه من جهة أخرى، لكن الأمر لا يبدو كذلك بالكامل، وإن كان كذلك في شق معتبر منه. وما ينبغي التذكير به هو أن العامل الخارجي في تأجيج الصراعات (نادرا ما يغيب) لا يكون قوي التأثير، إلا حين تتوفر ظروف موضوعية داخلية تسمح له بالتأثير.
شهدت “فتح” صراعات وانقسامات كثيرة منذ تأسيسها قبل خمسة عقود، وهي ما يمكن القول إنه ينطبق على الصراع الدائر راهنا في الحركة، إذ توفر العامل الخارجي بشكل قوي، فيما توفر السخط الداخلي أيضا، لكن اللافت أن الجزء المهم من تلك الحالات السابقة كان يتعلق بخلاف حول الرؤية السياسية، كما هو الحال مع الانشقاق الكبير مطلع الثمانينات، وكذلك حال ما قبله، أعني انشقاق صبري البنا “أبو نضال” ومجموعته (صراع الأجنحة الداخلية كان موجودا بشكل دائم).
من الصعب في المقابل وضع الكثير من التشابه بين الصراع الدائر حاليا، وبين ذاك الذي كان بين تحالف عباس- دحلان من جهة، وبين عرفات رحمه الله في آخر عامين من حياته، إذ أن الخلاف السياسي كان حاضرا هنا أيضا، وحيث وقف التحالف الأول ضد انتفاضة الأقصى، فيما انحاز إليها عرفات.
الصراع الدائر حاليا محدود النكهة السياسية إذا جاز التعبير، وإن لم يخل منها تماما، ذلك أن الخلاف بين دحلان وعباس على إدارة الشأن السياسي لا يبدو كبيرا، إذ ينحاز كلاهما لواقع السلطة الراهن، وللمسار السياسي الذي تختطه من 2004، وهما أصلا من صاغاه معا في ذلك الحين، قبل أن تتدخل الأبعاد الشخصية وتفرّق بينهما.
هناك تدخلات عربية لصالح دحلان دون شك، وهي تمنحه القوة، لا سيما المال الذي يمكّنه من اختراق صفوف الحركة، بخاصة قياداتها، فضلا عن سيطرته أصلا على الحركة في قطاع غزة، وقد تنهض بعض السياسة هنا من حيث إرادة بعض القوى العربية مجاملة الصهاينة بتوفير بديل مريح لعباس، مع الضغط عليه للذهاب نحو جولة مفاوضات جديدة دون أية حوافز، وبدون أفق سياسي (هذا يدركه الجميع بطبيعة الحال)، وهي مفاوضات لا هدف لها سوى إطلاق العنان لموجة تطبيع عربية.
المصيبة أن عباس لا يبدو قادرا على مواجهة ذلك بخطاب سياسي يقنع القواعد، بل إنه يفعل العكس، وما مشاركته في جنازة بيريز سوى مثال على ذلك، وهي المشاركة التي أشعرت قواعد الحركة بكثير من العار؛ ربما جعلهم جاهزين لاستقبال أي حشد ضده، لا سيما أنه حشد لا يخلو من ذكاء، ولا يكشف عن أوراقه السياسية الحقيقية، فضلا عن عطائه المالي السخي، في مقابل “بخله” إذا جاز التعبير (أعني عباس)، بل معاقبته للبعض بقطع الرواتب، وهو ما لم يفعله عرفات طوال حياته، حتى مع أشرس معارضيه.
المصيبة الكبرى إذا جئنا نرصد الأمر من زاوية مصلحة القضية هو غياب الحراك التصحيحي الحقيقي في الحركة، أو خفوت صوته إلى حد كبير، ربما باستثناء أصوات لشبان يعبرون عن أنفسهم في مواقع التواصل التي تجري محاصرتها أيضا، ما يعني أن الحركة ليست في وارد مغادرة موقعها الراهن كحزب سلطة تحت عباءة الاحتلال، في حين تحتاج القضية على نحو ملح إلى عودتها إلى ذاتها كحركة تحرر، تقود مع شقيقاتها الأخريات مسيرة التحرر من احتلال لم يغادر موقعه، ولا يبدي أي استعداد لمنح الفلسطينيين أي تنازل يستحق الذكر.
بانتظار حدوث ذلك، أي حركة تصحيحية تعيد فتح إلى ذاتها كحركة تحرر، ستبقى القضية في تيهها المقيم أيا كانت نتيجة الصراع الراهن، وسواءً تزعمها دحلان، أو أي أحد آخر، أو بقي عباس على قيد الحياة لسنوات أخرى دون أن يتزحزح عن موقعه.
بقي القول إن المؤتمر السابع للحركة الذي سيعقد نهاية الشهر الجاري، لن يغير شيئا في واقع الحركة على الأرجح، وسيعيد تكريس تفرد عباس بها، من دون أن يوقف اختراقات الطرف الآخر المتواصلة، مع أننا نأمل أن يحمل شيئا جديدا غير الذي ألفناه وعرفناه.
(الدستور2016-11-06)