حصاد الربيع !!
اذا كانت العصافير تنعق في الربيع والغربان تهدل في الخريف، واذا كان العسل بمرارة العلقم والوطواط يظهر في عزّ الظهيرة، فإن ما توصل اليه حاسوب الربيع الغبّي قد انتهى الى ارقام شبه فلكية من خسائر الاقتصاد وعدد المشردين والقتلى !
المطلوب منّا رغما عن أنوفنا ووعينا وعذاباتنا ان نقول ما قاله ذلك الشاعر الاندلسي ، وهو ان يشكر من عذّبه على ما أبقى ولا يلعنه على ما أتلف ! لم تكن المسألة خطأ في التسمية فنحن العرب طالما استخدمنا الاسماء للتضليل منذ أطلقنا على الملدوغ بسم الافعى السّليم !
الحكاية أبعد من التسميات لأنها من صلب ثقافة تأكل نفسها، ومن رفض قبل ستة اعوام ان يشرب من ذلك النهر أنقذ نفسه من الجنون وليس العكس، ومن لم يصدق ان السراب ماء انقذ نفسه من الصدمة كي لا يتضاعف عطشه !
ان من لم يجرفهم التيار لم يكونوا مدافعين او مبررين لنظم متآكلة انهى التاريخ صلاحيتها، لكنهم كانوا يدركون ان الحل ليس بالقفز من النار الى الرمضاء او من زنزانة رطبة وضيقة الى زنزانة اشد رطوبة وأضيق !
لقد صدقنا تلك المقولة التي ترى في الحركة بركة، رغم ان الحركة قد تكون الى الوراء، فالتغيير ليس حراكا اعمى، وبلا بوصلات، والشعوب ليست كالافاعي تبدل جلودها لأنها تريد ذلك فقط، والواقع الذي بلغ حدا كارثيا من الاستنقاع لا يتغير سياسيا بمعزل عن الجذور والمكونات الثقافية والتربوية والاجتماعية، كما ان البثور المتقيحة على الجلد لا تعالج بمعزل عن الدورة الدموية التي افرزتها، وهي دورة ثقافية بامتياز، وان كان ما نراه على مدار الساعة عبر الشاشات هو حصاد الربيع فما هو حصاد الخريف اذن ؟
وأسوأ ما يمكن ان يقع لأمة هو إفراغ ما لديها من مخزون الغضب وشحنة الانفعال واحلام التغيير باساليب صناعية، وبمهارة محترفي التغريب والتهريب .
وكما ان هناك حملا كاذبا وفجرا كاذبا فإن هناك ايضا ربيعا اشد كذبا !!
(الدستور2016-11-07)