اشتباك شباب

تم نشره الجمعة 11 تشرين الثّاني / نوفمبر 2016 01:08 صباحاً
اشتباك شباب
احمد جميل عزم

تقول شابة من جامعة القدس (أبو ديس) في فلسطين، والتي تشهد صدامات متكررة مع الاحتلال، والتي جاء منها الشاب مهند الحلبي، الذي قام بأول عملية طعن ضد الاحتلال، في هبة العام الفائت، 2015، "الشعور لدى الشباب، أننا في سجن والسجّان (المحتل)، يدخل للسجين طعامه يومياً، وفي أحد الأيام يدخل مع الطعام سكينة وهنا نستخدم السكينة للانتحار.. والسبب هو الظروف الخانقة، وأحياناً يعود السبب إلى كون أحد معارف أو أقارب الشاب استشهد..".

كان هذا الحديث جزءا من مقابلات عديدة، اعتمد عليها كتاب صدر حديثاً، بعنوان "الشباب الفلسطيني.. المصير الوطني ومتطلبات التغيير"، وساهم فيه باحثون ميدانيون، هم "علي موسى، ورشا حلوة، وعبدالغني سلامة، وعايدة الحجار، وأحمد عزالدين أسعد، وأكرم عطالله"، عملوا مع جميل هلال، الباحث والمحرر والمشرف على الكتاب، الذي تناول هبة العام الفائت الفلسطينية.

لعل حديث الفتاة أعلاه ليس دقيقاً، وليس منصفاً، ولكنه تعبيرٌ عن مشاعرها، ويعكس حالة القلق والخوف لدى الشباب الفلسطيني، من أنّه ترك كسجين في زاوية.

جاء غلاف الكتاب الذي أصدرته "مؤسسة الأرض للأبحاث"، صورةً مظللة، لفتاة وشابين، يحمل أحدهما عَلمَاً، تستوحي، (خصوصا الفتاة)، صورا حقيقية انتشرت في بداية الانتفاضة، العام الفائت. يوم كان الدم والأدرنالين، يسري في عروق الشباب، والشابات، حتى ذهبن بمريول المدرسة، وتلثمن، لمواجهة الجند. وقام شابٌ، برقصة دبكة متقنة، وهو يلقي حجراً على الجنود، ولبسوا قناع "الأنينموس" الشهير، وقام أحدهم بحركات تتراوح بين الشجاعة والتحدي والسخرية، بوضع وعاء (سطل) فوق قنبلة غاز ألقاها الجنود، وجلس فوقه. ويومها قال شاب (في الكتاب) "هذه مقدمة لتحرير فلسطين، وهذه الشباب تخرج كل يوم"، يومها كأنهم رددوا مع محمود درويش: بحجر نبني سقف السماء.

لكن يمكن تفهم ما تقوله الفتاة أعلاه (عن السجين والسكين)، إذا تذكّرَتَ مثلا هديل عواد، من قلنديا، برجلين بالغتي الوهن، وعمر 14 عاما، تهاجم بمقص بائس جنديا بكامل عتاده، فتستشهد وتلحق بشقيقها الذي قتله الاحتلال، قبل نحو عامين من استشهادها.

يقول شاب (في الكتاب)، "أكيد فش ولا حدا من الشباب بطلع بدون ما يكون منتمي لفصيل معين، (...) بس (لكن) الفصيل لا يعمل على أرض الواقع هو فقط متفرج. شباب الفصيل تتحرك وتشارك لكن الفصيل نفسه لا".

كان الشباب يأملون استيقاظ فصائلهم، التي يحبونها، ويشعرون أنها لا تحبهم. ويقول أحدهم "توقع البعض تدحرج كرة الثلج، لتشعل النار الكامنة تحت الرماد". وأن لا تبقي "السلطة.. بس (فقط) بتشغل موظفين وبتدفع رواتبهم وبتشحد من العالم لتحل أزماتها المالية".

وصل الشباب لنتيجة أن الفصائل والسلطة "كأنك بتحكي عن حدا مصاب بمرض الزهايمر ومش عارفين شو بيصير"، وبعد هذه النتيجة، من الطبيعي (ولكن ليس مقبولا) غضب فتاة في قطاع غزة، عندما سألها الباحث أكرم عطالله، ماذا تريدون (كشباب)؟، وتقول "أطالب بأن ينسفوا غزة، غزة ماتت من جميع الجهات".

أجريتُ أمس سؤالا بين طلبة الجامعة (19 طالبا وطالبة) عن أسماء ثلاثة قادة فلسطينيين، من مرتبة أمين عام (حالي أو راحل)، وكانت النتيجة أن أحد الأمناء عرفه طالب واحد، والقائدين الآخرين عرفهما 11 طالبا. أما الباحثة عايدة الحجار، في الكتاب، فتقول إنها لاحظت "أثناء العودة من بلدة سلواد، أنّه في أحد الشوارع، عدد من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم سبعة أعوام، وكانوا يرددون بصوت عالٍ (يا بلال، يا بهاء، يا مزلزلين الباص)، فسألتهم من بلال وبهاء؟ فرد أحدهم أنهم شهداء نفذوا عملية طعن في باص (...)، وقال لي ببراءة (ما بتعرفيهم)"؟

أحبط الشباب من الموقف السياسي، ولكنهم يبحثون عن مستقبل، ويفكرون بمحاولة أخرى، لذا ليس غريبا قول مجموعة في غزة، تسمي نفسها "مجموعة قرطبة"، تلتقي أسبوعياً، "اجتمعنا في مطعم قرطبة لنرسم خطوطاً لحكاية جديدة تجمعنا بعيداً عن حالة التناحر والانفصام السياسي"، هؤلاء لا يتحدثون بالسياسة والانفصام فقط، بل يقولون "كان للأدب والموسيقى والفكر نصيب كبير". وهؤلاء أو غيرهم، هم كالذين أصدروا مجلة "فلسطيننا" في الخمسينيات، وكانت حاضنة، وبداية لثورة العام 1965، والتي رأيتُ أمس في شوارع رام الله، عشرات الأطفال، وربما آلاف الناس، يحيون ذكرى أحد قادتها- ياسر عرفات.

(الغد2016-11-11)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات