صدمة ترامب.. المغزى والعبرة
في اليوم الثاني بعد ظهور النتائج الصادمة، لا يزال خبر فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الاميركية، يستأثر بجل النقاشات والتعليقات، محلياً ودولياً، وقد يستمر الامر هكذا لعدة اسابيع لاحقة، الحد الذي يبدو فيه تناول أي موضوع آخر كالتغميس خارج صحن الاهتمامات العامة، التي تجلت على الشاشات وفي مقدمات الأخبار، وعبرت عن نفسها في انفعالات أسواق المال، وردود الأفعال في معظم أنحاء عالم استفاق من نومه على ما يشبه انقلابا سياسيا اميركيا كامل الاركان.
يضاعف من صدمة هذا الفوز الكاسح بمنصب أهم مركز لصنع القرار في الشرق والغرب، أنه كان غير متوقع وفق سائر استطلاعات الرأي، التي عليها واجب الاعتذار، وأنه كان صادماً لمعظم حلفاء اميركا في أوروبا والشرق الاوسط، ممن استبدت بهم الهواجس، وغلب عليهم التشاؤم، إزاء فوز مرشح يميني بمسحة عنصرية، كان في حملته الدعائية أقرب ما يكون إلى المهرج، المعادي للأقليات والنساء والمهاجرين والمسلمين، بل وللنظام الاميركي الذي سيقوده بعد نحو شهرين.
أحسب أن أشد المصدومين بفوز المرشح الجمهوري، هو الرئيس الأميركي باراك اوباما، بدرجة قد تفوق صدمة هيلاري كلينتون، نظراً لما ينطوي عليه خطاب ترامب الشعبوي، من توجهات بديلة لنهج الليبرالية الاقتصادية، وتعهدات قد تقوّض سياسات اوباما الاجتماعية بالكامل، وتمحو كل أثر له –وهو أثر قليل على أي حال- في مجال السياسة الخارجية، التي فاقمت حدة الأزمات العالمية في عهد صاحب جائزة نوبل للسلام، وتسببت بخلل فادح في التوازنات والمعادلات الاقليمية.
ويبدو ان المرشح الفائز بالسباق الانتخابي، والآتي من المجهول إلى سدة العالم، وقد عادته النخب السياسية والإعلام وهوليوود ورجال المال والأعمال، وتخلى عنه قادة حزبه، كان يلمس وتراً خاصاً لدى الأميركيين الغاضبين من فساد الطبقة السياسية في واشنطن، والملتاعين من ضياع هيبة الدولة العظمى، ومن فشلها المحقق في قيادة النظام الدولي، وهي قاطرة عرباته الكبرى بلا منازع، ناهيك عن جملة طويلة من الإخفاقات الداخلية، التي كانت بيت القصيد في الحملة الانتخابية البائسة.
وهكذا فاز دونالد ترامب بأهم منصب في العالم، وسط مخاوف الحلفاء والأعداء، والأسواق والنساء، إزاء سياسة رجل لا يعرف السياسة، ولا هو برجل دولة، إلا أنه سوف يرى من البيت الأبيض، عما قريب، ما لم يكن يراه من فوق سطح أعلى أبراجه السكنية، وأنه سيدرك من خلال تقارير المؤسسات الاستخبارية، ما لم يكن يدركه كتاجر عقارات، الأمر الذي ينبغي معه عدم التطيّر من الرئيس الأميركي الخامس والاربعين، عندما يتسلّم حقيبة مفاتيح القوة النووية الأميركية.
أكثر ما يهمنا نحن في هذه المنطقة المستباحة، مما تبدل في أميركا على حين غرة، أنه لن تكون هناك استمرارية لأيام باراك أوباما المملة، عبر خليفته هيلاري كلينتون، وأن التغيير الدراماتيكي المحتمل في سياسة واشنطن الخارجية، سوف ينهي الرخاوة الدبلوماسية، والخواء السياسي، وضعف الزعامة العالمية، فضلاً عن سوء التقدير والتدبير الذي رافق ولايتيّ أول رئيس اسود في البيت الابيض، لثماني سنوات تفاقمت خلالها مشاكل هذه المنطقة أكثر من السابق.
ولأنه لا يُتوقع الكثير من ادارة دونالد ترامب في المدى المنظور، بل ومحذور التعلق بأحبال الهواء الاميركية من جديد، فإن لسان حال أغلبية الناس في العالم العربي المخذول، وربما في كل مكان، يقول إننا نستعجل رحيلكم أيها السادة الباهتون، وإننا سنكسر جرة فخّار وراءكم يا باراك اوباما وجون كيري، وغيركما من أركان عهد المراوحة في ذات المكان، وبيع الأوهام، وهدر الوقت والدماء، وصرف الوعود الكاذبة، التي تميزت بها إدارتكم منتهية الصلاحيات.
على أي حال، فإن مغزى فوز ترامب المفاجئ، لا يخصّ الأميركيين وحدهم، ولا تقتصر العبرة من هذا الانقلاب الأبيض على المتخوفين من وعود الرئيس العتيد بإقامة الجدران، والعودة إلى سياسة الانعزال، وإعادة النظر في اتفاقية التجارة الحرة، أو الاتفاق النووي مع ايران، او تعزيز صعود اليمين الاوروبي، وإنما قد ينطوي التغير في الأولويات الأميركية على تحولات محتملة في معالجة الأزمات الدولية، بما في ذلك أزمات هذه المنطقة، وربما الكف عن استبدال الحلفاء التاريخيين بالأصدقاء الجدد، على طريقة أوباما المخزية.
(الغد2016-11-11)