هل اقتربت «المواجهة» السوريّة.. التُركيّة؟
قد يكون السؤال سابقا لأوانه, وبخاصة ان مدينة «الباب» التي يسيطر عليها داعش حتى الان، لم «تسقط» في يد الجيش التركي، الذي يدفع امامه جيشاً من المرتزقة والارهابيين خلع عليهم اسم «الجيش السوري الحر»، وهم, كما ذَكَرَت وسائل الاعلام التركية والغربية والعربية, مجرّد ميليشيات ارهابية تمت صناعتها على يد المخابرات التركية, تم استقدامها من احياء شرقي مدينة حلب وبعض البلدات والقرى السورية الشمالية, فضلا عن «الاحتياطي» الموجود على الاراضي التركية وبخاصة فصائل «التركمان» التي تقود عملية «درع الفرات», عندما انطلقت في الرابع والعشرين من آب الماضي تحت ذرائع ومبررات متهافتة, بدت في لحظة ما، وبخاصة بعد عودة الحرارة الى العلاقات الروسية التركية، وكأنها جاءت ضمن تفاهمات غير مُعْلَنة، اندفعت بعدها جحافل جيش الاحتلال التركي, للسيطرة على مدينة جرابلس, ولتُكمِل خطتها باحتلال كامل الشريط الحدودي بين مدينتي جرابلس وإعزاز, عبر الزعم بانه قد تم ابعاد داعش عن الحدود التركية, وان هدف العملية الآخر, هو الحؤول دون ربط قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها قوات حماية الشعب الكردية السورية, بين المناطق التي تسيطر عليها غربي نهر الفرات, وتلك المناطق الخاضعة لها والموجودة أساساً في منطقة عِفرين.
مدينة الباب هي المحور الرئيس الذي يقطع الطريق على امكانية «ربط» كردي كهذا، وهو الامر الذي يبدو انه بات وشيكا, حيث تبعد قوات الاحتلال التركي عن «الباب»الواقعة, كما يجب التذكير, تحت سيطرة داعش، ليس اكثر من ثلاثة كيلومترات، ما يعني ان احتمال سقوطها في يد الاتراك (دع عنك همروجة مرتزقة الجيش السوري الحر) باتت واردة جدا, ما يزيد من مخاطر المواجهة «المؤكدة» كما تشير معظم الدلائل والمعطيات، بين الجيش السوري والقوات الرديفة, وبين الجيش التركي وزمر المرتزقة من سوريين (يصفهم اردوغان بالسُنّة) واولئك التركمان في «جيش» السلطان سليم و»كتائب» السلطان مراد وغيرهما, ممن «تفنّنت» اجهزة الاستخبارات التركية والاميركية وخصوصاً العربية, في استيلادهم وتسليحهم وتوجيههم.
احتمالات المواجهة يعززها «القرب» الجغرافي حدود التماس, في حال تمكن المُحتلون الاتراك من اجتياح الباب, لأنهم عندما يصلون جنوبي الباب يكونوا في مواجهة الجيش السوري الموجود في ريف حلف الشرقي, بعد ان أحكم سيطرته على طريق الكاستيلو ومخيم حندرات، فضلاً عن كون احتلال الاتراك لمدينة الباب, سيعني بالاضافة الى «إفشال» خطة قوات سوريا الديمقراطية (اقرأ قوات حماية الشعب الكردية) الربط بين مناطق غربي الفرات وشرقها، هو الحؤول او لنقل «تصعيب» مسألة دخول قوات الجيش السوري وحلفائه, الى عمق ريف حلف الشمالي, وهو الهدف الذي وضعته دمشق في خطتها الرامية للوصول الى الحدود السورية التركية, بعد استعادة وحدة مدينة حلب وتطهيرها من الجماعات الارهابية.
فهل يدرك اردوغان انه بسيطرته على مدينة الباب, يكون قد فتح «الباب» على مواجهة تبدو مؤكدة؟ بكل ما ستحمله من تطورات واصطفافات واحتمالات توسعها الى حرب اقليمية, باتت ماثلة, في ظل تصريحاته الاخيرة التي هاجم فيها «التوسع الفارسي» من بوابة الحشد الشعبي العراقي (الذي لا يزال يشكل تهديداً لسكان الموصل) على ما قال, بعد عودته من زيارة لروسيا البيضاء. مستطرداً: بان بلاده ستقف دائما مع ادارة عراقية «صادقة وعادلة» ونحن ملزمون – والقول له – بضمان أمن بلدنا، كما نراقب عن كثب التطورات في المنطقة وعلى رأسها ما يحدث في تلعفر وسنجار والموصل؟.
بالتأكيد، يدرك الرئيس التركي تبعات احتلال مدينة الباب، في الوقت ذاته الذي يتم «تحييده» جانبا من قبل الاميركيين والعراقيين, في شأن معركة الموصل التي تبدو مرشحة – هي الاخرى ــ لمزيد من التجاذبات والتراشقات, في الوقت ذاته الذي تتواصل فيه التكهنات والتسريبات ايضا, حول صفقة سرّية اميركية تركية, تضمن لأنقرة «حصتها» من الكعكة العراقية, في مرحلة ما بعد الموصل، وهو امر غير مستبعد, سواء في ما خص ادارة اوباما المُنصرِفة, ام ادارة ترامب الجديدة التي يُبدي اردوغان حيالها تفاؤلا واضحا, تَبدّى في تصريحات ادلى بها لصحافيين رافقوه في زيارته لروسيا البيضاء حيث قال:الإدارة الاميركية المُقبلة,برئاسة دونالد ترامب تبدو اكثر ترحيباً بـِ»الأُطروحات» التركية,لحل القضايا «العالِقة»في سوريا والعراق».
مرحلة جديدة من الحرب في سوريا و...عليها, توشك على البروز والتشكل, وبخاصة بعد تحرير مدينة حلب واعادتها الى حضن الدولة السورية الشرعية، والغموض الذي رافق عملية احتلال الجيش التركي للشريط الحدودي السوري الشمالي, لن يبقى طويلا, اذا ما احتّل الاتراك مدينة الباب, وعندها ستكون العناوين صارخة, ولن يتمكن اردوغان ومرتزقته من الجيش السوري الحر, من الاستمرار في الاتكاء على اكذوبة محاربة داعش, وستنطلق المواجهات الكبرى وسيدفع الاتراك ثمن احتلالهم فادحا لان «مقاومة» الشعب السوري, التي أُعلِن عن قيامها مؤخراً, ستترجم اقوالها الى افعال ميدانية ــ في ما نحسب....والايام ستروي.
(الراي 2016-11-15)