هل تنفرج شمـالاً وتـتــأزم شــرقــاً؟
تطوران هامان، محمّلان بدلائل الانفراج، وقعا على حدود الأردن الشمالية، قابلهما تطور ثالث، مثير للقلق، آخذ في التكون على حدوده الشرقية، فعمّا نتحدث، وما الذي نريد قوله؟
التطور الأول، على الجبهة الشمالية، إذ أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، عن عودة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فك الاشتباك في الجولان – الإندوف لمزاولة عملها على الجانب الذي تسيطر عليه سوريا من هضبة الجولان المحتلة، بعد عامين على انسحابها، إثر اشتباكات بين عناصرها والفصائل المسلحة، وتعرض عناصر القوة للاختطاف من قبل تنظيم جبهة النصرة.
أما التطور الثاني، فيتمثل في الأنباء التي لم يجر تأكيدها من مصادر “رسمية” بعد، عن توجه جديد لغرفة عمليات “الموك”، يقضي بالتحضير لهجوم على “داعش” وصولاً إلى معبري التنفوالبوكمال على الحدود السورية العراقية … جديد هذه المعلومات، التي تبني على سلسلة من التقارير الإقليمية والدولية، التي تحدثت عن تغييرات جوهرية في استراتيجية “الموك” أعقبت التدخل العسكري الروسي الكثيف في الأزمة السورية، لصالح “ضبط إيقاع الجبهة الجنوبية”، جديد هذه المعلومات، أن اتصالات تجري لتنسيق العملية المحتملة مع دمشق، وأن عمان وأبو ظبي تفعلان ذلك، بعلم واشنطن، حتى لا نقول بضوء أخضر منها.
الخبر الأول، صحيح ورسمي، وليس بحاجة لمن يؤكده، طلائع القوة وصلت، وبقية عديدها في الطريق إلى معسكر “الفوار”، وباتفاق سوري إسرائيلي رعته المنظمة الدولية … أما دلالة الخبر، فهي”تأكيد” تراجع إسرائيل عن فكرة الشريط الحدودي أو الحزام الأمني التي جرى بشأنها لغط كثير، وبداية استعداد إسرائيلي للتعامل بواقعية مع حقائق الميدان السوري الجديدة، وأهمها سقوط الرهان على إسقاط النظام في دمشق، بعد أن أصبحت محاربة الإرهاب، هي أولى أولويات العالم، وتحديداً في ضوء نتائج الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ومجيء رونالد ترامب إلى الرئاسة بأجندة للتعاون مع روسيا والقبول بالأمر الواقع في دمشق، وإعطاء الأولوية لاستئصال “داعش”.
الخبر الثاني، غير المؤكد وغير المستبعد في الوقت ذاته، فإن دلالته لا تخفى على أحد، فهو بداية اقتراب أطراف “الموك” من فكرة التعاون مع النظام في سوريا في محاربة الإرهاب، حتى وإن من خندقين منفصلين، وأن أولوية تصفية داعش، بدءاً بجيش خالد بن الوليد المبايع له، والذي يسيطر على عدة بلدات في جنوب سوريا، باتت أجندة “الموك” انسجاماً مع هبوب رياح التغيير في المواقف الدولية من الأزمة السورية، وصولاً إلى طرد التنظيم من المناطق الحدودية مع الأردن والعراق.
تتمة الخبر الثاني، تتحدث عن ضمانات طلبتها دمشق، بألا تتحول القوة المسلحة (المعارضة – الجبهة الجنوبية) بعد طرد داعش من مناطق سيطرتها، للتعرض للجيش السوري … الطلب منطقي ومتوقع في ضوء تجارب العامين الأخيرين، لكن الجواب الذي تلتقه دمشق، هو الذي يعبر – إن صح – عن عمق التحولات في مواقف اللاعبين الإقليميين، فقد عرضت “الموك” فكرة التوسط بين النظام والمعارضة لإنجاز مصالحات ميدانية بعد التخلص من داعش، وتسوية أوضاع المسلحين والمعارضين، بما يحفظ أمن البلدات والقرى الجنوبية واستقرارها، وبما يحفظ أمن واستقرار الجوار الجنوبي والشرقي لسوريا: الأردن والعراق.
فكرة قيام الأردن، بجهود للوساطة وإنجاز المصالحات بين فصائل المعارضة المسلحة الجنوبية (المعتدلة) والنظام السوري، كنّا قد عرضنا لها قبل عامين أو أزيد قليلاً، في سياق حديثنا عن “المناطق الآمنة التوافقية” التي اقترحنا أن يبادر الأردن لعرض إنشائها على دمشق، بغية تجنيب جنوب سوريا، واستتباعاً شمال الأردن، ويلات الحرب ومخاطرها، وبهدف وقف تدفق اللاجئين، وربما توفير ملاذات لإعادة قسم ممن لجأوا للأردن وأقاموا فيه على امتداد سنوات الأزمة الست.
وقد عدنا للتذكر بتلك الفكرة/ المقترح، بعد التدخل الروسي في الأزمة السورية، واقترحنا – تجنباً للحرج – أن تعتمد الدبلوماسية الأردنية “الوسيط الروسي” لإنجاز هذه المهمة، توطئة لفتح حدود الأردن مع سوريا، واستئناف حركة نقل البضائع والخدمات والأفراد بين البلدين، وصولاً إلى لبنان، باعتبار ذلك “طاقة فرج” يمكن أن تساعد الأردن على الخروج من قبضة الحصار البري المفروض عليه، جراء إحاطته بقوس أزمات وحروب، وهلال “إرهابي” يحيط به ثلاث جهات.
إن صحت المعلومات، فهذا تطور إيجابي آخر، من منظور الأمن وحسابات الاستقرار الأردنيين …وإن لم تصح، فإننا نقترح على حكومتنا ، أن تعمل من أجل أن تجعلها صحيحة، وأن تشرع بالتفكير هذه المرة (من خارج الصندوق)، أقله للبدء بمعالجة مختلفة لملف اللجوء السوري، الذي يضغط على كاهل السياسة والأمن والاقتصاد والاجتماع في الأردن.
أما التطور الثالث، فذاك المتعلق بالمعلومات المتراكمة عن حشد “داعشي” يزداد عدة وعديداً على مقربة من المثلث الحدودي الأردني – السوري – العراقي، وعن لجوء “خيرة الخيرة” إن جاز التعبير، من رموز داعش وكوادرها وقياداتها، إلى قرى هذا المثلث وبلداته “راوة وعانة والقائم”، واستعدادها من هناك، لضرب أهداف في الرطبة والرمادي والفلوجة، وربما تهديد الحدود العراقية – الأردنية من جديد … ومع استمرار عملية تحرير الموصل ونينوى، واقتراب القوات العراقية المختلفة، من وضع داعش في أضيق الزوايا، تزامناً مع بدء تحرير “الرقة” وأكنافها، فإن من المتوقع، أن يتزايد هذا الحشد، ويتزايد معه التهديد الأمني.
الأردن، كما تقول المصادر، حشد ما يكفي من قوات على مقربة من خط الحدود، درءاً لأسوأ السيناريوهات، وأحسب أن ذلك قد تم بالتنسيق مع حكومة الدكتور العبادي، وفي كل الأحوال، لا أجد ضرورة من أي نوع، لبعض الانتقادات التي وجهها نواب عراقيون للحشد العسكري الأردني، فهو يتم على أراضٍ أردنية، ولم يخرج عن حدوده مع العراق، وهو إجراء وقائي، لا تكون الدولة دولةً، إن لم تقدم عليه في مثل هذه الحالات … الأيام القادمة على تلك الجبهة، تستلزم أعلى درجات اليقظة والسهر، فالإرهاب الداعشي، يزداد ضراوة وخطورة، كلما اقترب من لفظ أنفاسه الأخيرة.
(الدستور 2016-11-18)