ما بعد الموصل والرقة
مع اقتراب حسم معركة الموصل المحتدمة منذ أسابيع، تتعدد سيناريوهات اليوم التالي؛ في الوقت الذي تزداد فيه المؤشرات الدالة على استعدادات لخوض معركة حسم أخرى في الرقة العاصمة الثانية لدولة الخلافة! ليس هجوم قوات سورية الديمقراطية الذي بدأ قبل أيام على أطراف الرقة إلا الموجة الأولى لهذا التحرك الاستراتيجي الذي من المتوقع أن يأخذ زخما أقوى مع بداية العام الجديد بالتزامن مع التغير السياسي في الولايات المتحدة.
في هذا الوقت بات من المهم مراقبة سلوك الجماعات الإرهابية المسلحة التي يتكون منها تنظيم الدولة "داعش" وخطواته المتوقعة خلال الأسابيع والأشهر القادمة. حيث بدأت العديد من المؤسسات الأمنية وحتى البحثية الإقليمية والدولية رصد هذه التحولات ورسم سيناريوهات لسلوك "داعش" في المرحلة القادمة.
المشكلة الكبيرة أن المعارك ضد الجماعات المتطرفة، لا تنتهي بكسب معركة عسكرية، كما لا تحسمها خسارة الأرض، فخبرة العقدين الأخيرين من أفعانستان إلى العراق وسورية تشير إلى قدرات متنوعة لهذه التنظيمات على إعادة التشكل والظهور في أماكن أخرى، واحيانا بأسماء مختلفة.
المعلومات الاستخبارية الغربية تشير الى بعض أنماط السلوك المبكر لتنظيم داعش مع ازدياد الضغط العسكري عليه؛ الأسبوع الماضي أشارت معلومة منسوبة لجهاز المخابرات الفيدرالي الألماني إلى وجود شبكة من مُقاتلي التنظيم اندسوا بين المُهاجرين السوريين في أوروبا. وفي التفاصيل تحدثت التقارير الإعلامية عن" أن قادة في "داعش" درّبوا أعضاء التنظيم على كيفية تقديم طلبات اللجوء السياسي؛ وكيفية التصرّف كلاجئين سياسيين؛ لعدم إثارة الشكوك حولهم؛ حال تم القبض عليهم من قبل الشُرطة أو من اللاجئين".
تقرير آخر صادر عن وزارة الداخلية النمساوية تحدث عن أعداد من مقاتلي داعش الذين يشكلون خلايا نائمة دخلوا إلى النمسا في الأشهر الاخيرة كلاجئين سياسيين ضمن اللاجئين السوريين، وتحدث التقرير أيضا بأن التنظيم خطط بأن يقوم مقاتلوه بهجمات على مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن لكي يجبرهم على الهروب إلى أوروبا.
فيما تذهب القراءات الاستراتيجية الغربية هذه الأيام إلى أن الأوضاع في مخيمات اللجوء وفي أماكن الانتشار في البلدان الحدودية الثلاثة (الأردن وتركيا ولبنان) تزداد تعقيدا، وأن هذه الظروف الصعبة والمعقدة تبدو مواتية لاحتضان المزيد من عناصر الجماعات المتطرفة، فيما من المتوقع أنْ ليس جميع الهاربين يأتون خوفا وهربا من ساحة المعركة. بل سيكون منهم جماعات تمثل الخطة البديلة للتنظيم. وفيما يتعلق بالحدود الجنوبية تزداد الأمور تعقيدا مع ازدياد احتمالات نشوب معركة كبيرة حول درعا يتردد أن الجيش السوري يخطط لها بالتنسيق مع الروس، في المقابل تتردد معلومات وتحليلات تتحدث عن احتمالات واسعة لتفكك تحالف الجبهة الجنوبية مع تراجع الدعم المقدم لها وازدياد حضور "داعش" في المناطق الجنوبية.
الخطة البديلة لهذا التنظيم ما تزال غامضة الملامح، وربما ستكون صادمة في بعض المواقف، وعلى كل الأحوال فإن التحولات السياسية في المواقف الدولية ستجعل المنطقة تعيش لحظات فوضى جديدة ربما مؤقتة لكنها محتملة وبقوة.
(الغد 2016-11-20)