سينما أردنية.. أين؟
لا يمكن النظر للهيئة الملكية للأفلام على أنها المؤسسة الصانعة لمجهودات السينما في الأردن، أو الجامع الذي يلتقي عليه الفنانون العاشقون لصناعة سينما أردنية بامتياز، ذاك لأنها مؤسسة مقصورة على فئات بعينها، وضمن نطاقات تتيح صناعة تجارب صغيرة، لا تحقق المأمول من خلق فضاء سينمائي يحرك الراكد في الوعي الجمعي جماليا وفنيا وإنسانيا.
هذه المقدمة، تمتح ضرورتها من الاعتقاد الرسمي، بأن الهيئة تنجز مهمتها على أكمل وجه، وتقدم سينما للبلاد، تسهم بصياغة الوجدان الجمعي، وتنهض به حضاريا، وتفضي إلى مساحات اقتصادية تنموية جراء إنتاجها أفلاما مدهشة، تجذب الجمهور وتصدر للخارج بصفتها سينما أردنية.
في الواقع المرير، علينا أن نعترف بأنه لا توجد سينما أردنية، ثمة محاولات يجتهد أصحابها بصناعة أفلام قصيرة، وبين حقبة وأخرى؛ طويلة، تحاول أن تبدو كسينما خارجة من الأردن، أو تشبه الأردن.
ويبدو أن عصر السينما وطقوسها الذي انقرض بفضل التقنيات الحديثة التي تتيح للجمهور مشاهدة ما يريدون عبر وسائط بين أيديهم، مثل الموبايل وعبر الإنترنت، أقصت إحساسنا بأهمية وجود سينما محلية، تشاهد، وتحقق مردودا حضاريا لبلدنا.
وحين نعلم أن دخولا قومية كبيرة لبلدان متقدمة ونامية، تحققها السينما، وعبر تلك الشاشة البيضاء، ترسل تلك السينما برسائلها إلى المجتمعات، محققة بذلك صياغات لافتة في الوجدان الجمعي، محمولة على الجمال والفن والتحولات الاجتماعية، فإننا نقف متسائلين أمام هذا الفراغ الذي يخلو من فيلم أردني، حتى لو كان فيلما سطحيا.
وفي منطقة مضطربة كمنطقتنا، تصبح ضرورة الفن أكثر أهمية من ضرورات أخرى، إذا ما أردنا أن نخلق مناخات حيوية، ومساحات من التحضر والتفاعل مع الجوانب التي نسعى لأن يحققها مواطننا، كفهمه للدولة المدنية، وكمناهضته للتطرف والتعصب والتمييز، وكتوعية بأهمية الحوار والتقدم العلمي والثقافي، وغيرها من المفاهيم والقيم التي تحقق عبر العمل الفني، بخاصة السينمائي، مكانة مهمة في الوجدانين الفردي والجمعي.
وليس غريبا أن تكرس دول؛ كبرى وصغرى جزءا من موازناتها لما يسمى بحروب العصر المقبلة؛ مثل مواجهة جيوش قراصنة الإنترنت، ومجابهة الاعتداءات القيمية على ثقافات البلدان، وإطلاق رسائل حضارية، تسهم بالتوعية من أمراض اجتماعية وغيرها، بينما نجلس كمتفرجين، أو غير واعين لأهمية ما تصوغه "ميديا عصر النانو" من توجهات لتغيير ملامح البشرية الثقافية والاجتماعية.
في الفيلم السينمائي ـ وهو جزء من محرك التغيير في العالم- الذي يختزل آلاف المساحات من الأفكار، في مجموعة صور وقصص، يحققها مخرجون مبدعون، يمكن ان نشكل لحظات حقيقية مثلا، تنحو باتجاه مكافحة الارهاب والتطرف، ووقف زحف الأفكار المرضية الى ابنائنا، وجعلهم مساهمين في محاربتها، كالادمان على المخدرات، ووقف العنف الجامعي، وتفعيل القوانين واحترامها، ومحاربة الفساد وتغول النافذين وخلق مناخات حيوية لرفض المجتمع لظواهر سلبية كثيرة، نعاني منها، ونضع استراتيجيات لمحاربتها، دون ان تطبق تلك الاستراتيجيات أساسا.
ما نحلم به؛ ليس مستحيلا، ولا يمكن أن تحققه الهيئة الملكية للأفلام بما هي عليه من روتين وقصور. ليس مستحيلا أن ننجح في إنتاج سينما محملة بالرسائل التي تسهم بما نتطلع اليه عبر التعريف ببلدنا وبإنساننا وتحريضه على ان يكون مساهما حيويا في التصدي للظواهر المرضية التي تنخر مجتمعنا.
(الغد 2016-11-20)