اقتصاد اجتماعي في مواجهة اقتصاد العجرفة
ثمة قاعدة واضحة بسيطة في قياس وملاحظة الفشل والتقدم في الاستثمارات والمشروعات واتجاهات الإنفاق العام والتشريعات؛ "من المستفيد؟". فإذا كانت تستهدف جميع المواطنين، فإنها تؤشر إلى الازدهار والتقدم؛ وإن كان المستفيد منها أقلية من المواطنين (أو الوافدين)، فإنها تؤسس للفشل والانقسام الاجتماعي والكراهية، وأسوأ من ذلك أنها تمثل قاعدة حدية لمتوالية متواصلة من التقدم أو الفشل، بمعنى أن النجاح ينشئ سلسلة من النجاحات الأخرى، والفشل ينشئ سلسلة متواصلة من الفشل. وهكذا، فإن خطورة المشاريع المضادة للتنمية الشاملة لا تقف شرورها عند عزلتها عن المجتمعات والناس، ولكن تنشأ حالات جديدة أكثر خطورة.
سأعرض مثالين لمشاريع وبرامج اقتصادية تؤسس لمتوالية من الفشل. أولهما، استثمارات عقارية تقوم على "نظام المجتمعات المغلقة" (Compounds). وهي نموذج في بلاد المنشأ مستمد من كون المواطنين يشكلون فئة غنية ومدللة؛ وفي الوقت نفسه هي أقلية بالنسبة لمجموع السكان الذي يغلب عليه العمالة الوافدة.
وبغض النظر عن مبررات أو أخطاء هذا النموذج في بلاده، فإن الفكرة عند تطبيقها في الأردن تعني ببساطة تمييز أقلية من المواطنين والوافدين في مواجهة أغلبية كبرى من المواطنين. ومن ثم يكون السؤال: ما قيمة الأمن والأمان اللذين نسرف في الحديث عنهما؛ إغلاق المجتمعات ضد من، طالما أننا ننعم بالأمن والأمان؟!
المثال الثاني هو التعليم المميز الذي تقدمه مدارس خاصة لفئة من المواطنين. ومن الغريب أن المحتجين على تعديل المناهج لا يلاحظون أن نسبة كبيرة من الطلبة لا علاقة لها بالمناهج الوطنية ولا تقرأ منها شيئا. فإذا كانت تجارب وتطبيقات ناجحة، لماذا لا يطالب المحتجون بتعميمها؟ وإذا كانت العكس، فلماذا لا يطالبون بإيقافها؟ أو على الأقل ليتوقف عن الاحتجاج الذين يرسلون أولادهم إلى هذه المدارس وأصحاب هذه المدارس؟ أليس محيرا أن يحتج على تعديل المناهج من يرسلون أولادهم الى مدارس تعلم التلاميذ من مرحلة الروضة مناهج أجنبية باللغة الإنجليزية، ولا يتحدثون مع أولادهم إلا باللغة الإنجليزية؟! نمضي بوعي أو متظاهرين بعدم الوعي، إلى تقسيم اجتماعي عميق وخطير.
يرد أرنولد توينبي في نظريته الشهيرة "التحدي والاستجابة"، سقوط الحضارات إلى ثلاثة أسباب: ضعف القوَّة الخلاَّقة في الأقلِّيَّة المُوجِّهة وانقلابها إلى سلطةٍ تعسفية؛ وتخلِّي الأكثريَّة عن مُوالاة الأقلِّيَّة الجديدة المُسيطرة وكفِّها عن مُحاكاتها؛ والانشقاق وضياع الوحدة في كيان المجتمع.
(الغد 2016-11-22)