حق التيمم في فلسطين
مشروع الحكومة الاسرائيلية بمنع رفع الاذان في القدس وفلسطين الثمانية والاربعين، اثار ردود فعل غاضبة داخل فلسطين وفي كل مكان.
ردود الفعل المعنوية معبرة وممتازة، من رفع نواب فلسطينيين في الكنيست الاسرائيلي للاذان داخل الكنيست، مرورا برفع الاف المقدسيين للاذان من فوق بيوتهم بشكل جماعي ومؤثر جدا، يقول ان هذا الشعب ولد ليبقى، لا ليموت، اضافة الى رفع بعض الكنائس للاذان، في فلسطين، تعبيرا عن وحدة شعب، وعن روح التضامن.
كل هذا ممتاز، اضافة الى التعبيرات السياسية التي سمعناها، من عواصم رسمية، على صلة بالملف الفلسطيني، وملف القدس حصرا، ولانريد تثبيط الهمم، فأي رد فعل، ممتاز، ومطلوب، في وجه القرار الاسرائيلي، الذي على الارجح جاء ردا، على قرار اليونكسو، باعتبار ان لاعلاقة بين اليهود والحرم القدسي تاريخيا.
لكن المفارقة بالنسبة للبعض، تتجلى بتنازلنا عن كل برنامجنا، اذ بعد ان كان شعار تحرير فلسطين، كل فلسطين التاريخية، هو عنوان النضال، بات النضال لرفع الاذان، هو الطاغي، وقد استطاعت اسرائيل جرنا الى هذا المربع، اي النضال لاجل تفاصيل، وهي على اهميتها بشأن هوية فلسطين، من ناحية قومية ودينية، الا انها ليست اصل المشكلة، بل نتيجة للمشكلة، اي مشكلة الاحتلال.
هذه التراجعات في البرامج والشعارات، تتجلى في كل شيء، فقد كنا نطالب بفلسطين التاريخية، فاعترفت مجموعة اوسلو بثلاثة ارباعها، لليهود، وبتنا نطالب فقط بدولة في الضفة الغربية، ثم انحدر النقاش، نحو فتح المعابر، او السماح لاهل الضفة بالذهاب الى حيفا ويافا في العيد، للاستمتاع بالشواطئ.
ذات القصة تتكرر في غزة، فهي جزء من مشروع اوسلو، ومشروع الدولة الفلسطينية، ونرى بكل بساطة، اعادة انتاج للقضية، فبدلا من الكلام عن الدولة، وفك حصار غزة، يتراجع الحوار، نحو اصغر المربعات، السماح للاسمنت بالدخول، السماح لوقود الكهرباء بالتدفق، واخيرا السماح لامرأة مريضة بالعبور عبر حاجز ايريز او رفح.
كل قضية فلسطين، تمت اعادة انتاجها، وتصغيرها، وتقسيط اولوياتها، ففلسطين، كانت مطلوبة من كل العرب والمسلمين، وقصة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني اي منظمة التحرير، مجرد نزع للمسؤولية عن كاهل العرب والمسلمين، ورميها على تنظيم غير قادر على ادارة هذا الحمل، بل تورط لاحقا، بتسليم ثلاثة ارباع فلسطين لليهود، واذا روجع العرب والمسلمين اليوم، ردوا ان هناك ممثلا شرعيا ووحيدا وهو الذي يقرر، فيتم حشرنا في مربع صغير، ايضا، يتشظى لاحقا الى مربعات اصغر، فتح وحماس، وغير ذلك من قصص.
كيف يمكن لامة، في غمرة الغضب على منع رفع الاذان، وفي عز الابتهاج بردود الفعل المعنوية على منع رفع الاذان، ألاّ تتنبه ان القصة ليست الاذان وحسب، فالمسجد الاقصى في زمن الاحتلال الاوروبي، تم اغلاقه كليا تسعين عاما، وتم تحويله الى حظائر خيل، وهذا ادى الى اطلاق مشروع تحرير القدس، زمن صلاح الدين الايوبي، وليس النضال لاجل فتح المسجد للصلاة وحسب، وعلى هذا يمكن القول، ان التلهي بقشرة المشكلة، خطيئة كبرى، نتورط فيها، لان التعامي عن جذر المشكلة، هو البلاء الحقيقي.
اذا بقي الحال هكذا، سيأتي يوم، نناضل فيه من اجل حق التيمم، بدلا من حق العودة.
(الدستور 2016-11-23)