محاربة طواحين الهواء!
لا فائدة من بيانات الحكومة الطويلة، وخطابات السادة النواب في التقليل من جديتها، ذلك أن العمل الحكومي والتشريعي ليس عملا فلسفيا، وفصيحا، ويحتاج الى هذا الجهد.
ولعل الأسوأ هو حالة العقائدية النيابية الاسلاموية او القومية او اليسارية لانها تحارب طواحين الهواء طالما ان الحكومة ليست حكومة الحزب القائد، او حكومة اشتراكية او حكومة دعه يعمل بمسماها الفرنسي المعروف. انها مجرد حكومة ادارية تتعامل ماليا بالواردات والنفقات.
والجانب الآخر أن الجميع: الحكومة والنواب «يحاربون» الفساد، ولكن لا احد يشير بأصبعه الى الفاسدين سواء أكانوا في الجهاز الحكومي أو في ادارات الشركات المساهمة. تجربة يتيمة حدثت في مطلع الستينيات حين اعلن وصفي التل عن مشروع قانون مكافحة الفساد. قدمه الى مجلس الامة ليحصن قرارات الحكومة بعزل كل من تطاله جريمة الفساد.. وحتى لا يذهب الى محكمة العدل.
كان الفاسدون يشار اليهم بالبنان. وبدأ رحمه الله بقوائم التطهير بأقاربه، وشمل مدراء، وقضاة، ووكلاء وزارات. وكل يذهب الى بيته فالرئيس وفريقه الوزاري يتحملان مسؤولية هذا التطهير.
الى جانب ذلك تمت دراسة ملفات المباحث العامة والمخابرات، وفرزها من المعلومة القائمة على «مخبر صادق» الى المعلومة الموثقة، وكوم هذه الملفات واحرقها أمام الصحافة والمسؤولين الأمنيين.
الجد، ان نواجه الفاسدين وليس مجهول الفساد المطلق، فهناك الآن موظفون ومحاسبون وأعضاء لجان المشتريات الذين «...» الرشوة مهما صغُرت حتى على مستوى الدينار الواحد، وهم يعرفون ان مدراءهم (...) الآف والملايين، ولو كان المسؤول الأعلى نظيفاً وحازماً لما تجرأ الصغار على «الرمرمة».
عندنا تجارب ناجحة، فتحويل الجمارك الى مؤسسة شبه أمنية، وفرّ على الدولة، والقضاء تقديم لوائح اتهام للمحاكم ومطولاتها، ودرجاتها، فالفاسد في الجمارك يطاله الحكم الأمني ومحاكمه المختصة، ونستطيع بالقليل من الجهد حماية الشركات المساهمة من فساد الاداريين برقابة مراقبة الشركات، واعطائها صلاحيات العزل أو إنشاء محاكم خاصة لمحاكمة الفساد في هذه الشركات، ومثل هذه المحاكم موجودة في لبنان وسوريا وربما في مصر.
لا نستطيع بخطابات الحكومات او بخطابات النواب ان نصل الى عمل جادٍ يضع بلدنا على طريق التقدم والرخاء.
لقد جربنا الريفانيزم والتاتشريزم. والخصخصة وكل اشكال تحلل السيطرة الحكومية، والقضائية، والنيابية. ولم نجد طريقاً اخرى. ولم نعد الى ما كنا عليه من شراكة القطاع العام والخاص، ونموذجها في مصفاة البترول والاسمنت والفوسفات والدباغة. ونتمنى على الذين سحجوا كثيراً للخصخصة، ولتحلل السيطرة الحكومية ان يدلونا على مشروع واحد نجح. ونتمنى اعادة التركيز على لجنة تقييم الخصخصة، ففيها الكثير من الفساد.
(الراي 2016-11-23)