نجوم حقيقيون
رصدت صحيفة " الغد" يوم الخميس الماضي 22 متميزا أردنيا حققوا إنجازات على مستوى عالمي أو إقليمي خلال عام 2016، واستحق كل واحد منهم أن نرفع رأس الأردن به. حينما كنت أطالع هذه الإنجازات وأبحث في خلفياتها أدركت كم نحن بحاجة إلى تطوير رؤية وطنية في صناعة نجوم عالميين؛ نجوم حقيقيين في العلوم والرياضة والآداب والفنون بعيدا عن دوار صناعة النجوم الباهتة والمزيفة التي لطالما فرضتها الأجندات والمصالح؛ فهل يوجد لدينا مرصد لمراقبة هؤلاء الشباب ومتابعة إنجازاتهم وحفزهم على المزيد من الإبداع؟ وكم نحن بحاجة إلى حاضنات إبداع ومراكز تميز للشباب في مختلف القطاعات؟ وكيف يمكن أن نجعل من هؤلاء الشباب نماذج قدوة تحفز الأجيال الجديدة، وتبعث في نفوسهم وهممهم الأمل والإرادة في تجاوز الذات.
النسبة الكبيرة من هؤلاء المبدعين لم يتجاوزوا الثلاثين، أي انهم في بداية العطاء وفي عمر التشكل وأمامهم الكثير من الإنجازات التي يمكن أن يحققوها وأمامهم الكثير من التحديات والصبر أيضا، والأهم كيف نوسع قاعدة التميز ونجعل من العشرات مئات وآلافا، وهم موجودون بالفعل لكنهم لم يحصلوا على الفرص المطلوبة وقد لا يحصلون عليها.
ثقافة الريادة تغرس مبكرا في التكوين المعرفي والثقافي للشباب الصغار ما قد يوفر بيئة حقيقية للتميز والريادة لا تنحصر في ريادة الأعمال على أهميتها بل تتجاوزها إلى الإبداع وإثبات التميز في كافة المجالات، وهو ما فعلته الطالبة رؤى حمو (9 سنوات) التي حصلت على المركز الثاني في مسابقة "تحدي القراءة" الشهيرة والباحث الاردني الشاب سديم قديسات الذي انتزع المركز الأول في مسابقة "نجوم العلوم" كما هو الحال في تميز وإصرار الخريجة وعد الخزاعي التي حققت المركز الأول في مسابقة الشباب المبدع التي نظمتها منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية وتجاوزت 2500 متسابق من مختلف أنحاء العالم. الأمر ذاته حدث لصفاء الجيوسي التي فازت بجائزة أفضل خبير طاقة في العالم عن فئة الشباب.
هؤلاء الشباب وغيرهم من مبدعين أردنيين هم الاستثمار الحقيقي ورأس المال الذي يجب أن نحرص عليه لمستقبل الأردن، فالعالم اليوم لا يرحم، ولا يعترف بشيء أكثر من التميز والإبداع. نحن أمام تحولات منتظرة في العقد القادم في بيئة الأعمال وفي إنتاج المعرفة وفي توليد الحلول للمشكلات التي يواجهها البشر، هذه البيئة الجديدة سوف تبني الاقتصادات الجديدة وتعيد بناء الاقتصادات التقليدية، وإذا ما كنا في السابق نحرص على الريادة والتميز والإبداع باعتبارها من بين الأسس القوية لبناء الاقتصاد والحضور، فإن البيئة التي تتكون حاليا لن يكون فيها بديل عن ثلاثي الريادة والتميز والإبداع؛ فالمجتمع الذي لا يستطيع أن يقدم إضافة جديدة وبالحلول المعرفية لا مكان له في المستقبل القريب.
للأسف، ما تزال نظم التعليم لدينا لا تصنع نجوما ولا تحتفي بالمبدعين ولا توفر البيئات الملائمة للتميز، وما نزال نفتقد مدخل التربية على التميز والريادة في مناهجنا وجامعاتنا، لقد خطا صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية خطوات مهمة في هذا المجال منها ما يقدم في بعض المبادرات مثل قمة الألعاب الأخيرة التي حاولت أن تقدم نماذج من مبدعين ورياديين شباب قدموا إضافات نوعية، كما هو الحال في تجربة حاضنات الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات التي توفرها "أويسوس 500" .
المجتمع ذاته الذي يوصف بأنه مصدر للشباب المتطرفين والذي يصدمنا بحجم الشذوذ الفكري فيه، والمجتمع الذي بات يثير قلقنا بالعنف وبالمخدرات، هو ذاته المجتمع الذي يفاجئنا بقدرته على إنتاج هذه الطاقات المبدعة وهذا الجيل من الرياديين. المعركة القادمة بين هذين الوجهين من سيحسم الأمر، كل ما نحتاجه قليلا من الزيت على ماكنة الإصلاح كي تدور.
(الغد 2016-11-27)