عنف بلاحدود
تستغرب هذا الذهول الذي ينتاب الناس، عند تعليقهم على العنف في الجامعة الاردنية، فماذا يختلف هذا العنف، عن ذاك الذي رأيناه في جامعات اخرى، وبما يختلف عن ضرب اطباء المستشفيات، والاعتداء على المعلمين، والعنف في الانتخابات النيابية، والعنف في البيوت، والاعتداءات الاجتماعية، وما نراه من اعتداء على مؤسسات الدولة وموظفيها، وكل اشكال العنف الاخرى.
أسباب العنف، واضحة كما الشمس، اقلها شعور من يمارسه انه اقوى من القانون، وان هناك من سوف يساعده للخروج من مأزقه، عبر الواسطات والجاهات المتعارف عليها في هذا الصدد، فوق ان مناخات التعبئة في البلد، تؤدي الى انتاج انسان عنيف، يبدأ صباحه بهذا الفخر الزائف، الذي يتم حقن العصب العام به، بالاغاني والشعارات، وصولا الى الطبيعة الاجتماعية للانسان بشكل عام، الذي يميل الى العنف في كل المجتمعات، ولايردعه عن ذلك الا القانون، او شيوع العدالة في الحياة.
الأسوأ من العنف، هو تشويه سمعة البلد، أمام العالم، فالعرب وغيرهم الذين كان ينظرون الينا نظرة احترام، يعتبروننا اليوم، مجتمعا منفلتا غاضبا، لديه الاستعداد للقتل لاي سبب كان، ويتناسى كثيرون ان كثرة الاخبار عن حوادث العنف الفردية والجماعية، تؤدي الى تشويه سمعة بلد بأكمله في عيون الشعوب الاخرى، دون ان يبالي هؤلاء بسمعة البلد، ولا بسمعة أهلها، فالمهم هو العنف والانتقام والثأر، على خلفية اي حادث تافه.
ملف العنف تتم معالجته بذات الطريقة، أي الترميم، عبر اعتقال المتسببين، واتخاذ اجراءات قانونية، ثم يدخل على الخط الوسطاء من اجل اطفاء الحريق، وهذا سيناريو يتكرر في كل حوادث العنف التي نراها، وبرغم ان حوادث العنف انخفضت الى حد كبير مقارنة بما كانت عليه قبل خمس سنين، الا انها لا تزال تحدث كل فترة واخرى، لتقول ان هناك مشكلة عامة، اكبر بكثير، من مشكلة عنف في موقع محدد.
الذي يسأل الإدارات في المدارس الحكومية، حصرا، يقول لك ان الطلبة يمارسون العنف اللفظي والجسدي ضد بعضهم بشكل مبكر، في المدارس وخلال الاستراحات وبعد نهاية الدوام، وهو ذات العنف الذي ينتقل للجامعات، وعلى الاغلب فإن تفريغ التعليم من محتواه، ومن وجود نشاطات اخلاقية ورياضية وغير منهجية، تشغل الطلبة، يؤدي الى شيوع هذه الانماط التي تترابط مع طاقة فائضة لا يعرف هؤلاء كيفية تصريفها، سوى عبر التطاول على بعضهم البعض، وهذا أمر نراه في الجامعات، التي تم تفريغها من اي اطار سياسي او برنامج للطلبة، يستقطبهم على اساسه، بدلا مما نراه فيها هذه الايام.
يشتد العنف، كلما تراجعت الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ويتحول الانسان، الى كتلة غضب، لاسباب مختلفة، تنفجر عند اول موقف، وهذا ما نراه في تصرفات الافراد، التي تصب بمجموعها لصالح التعصب لهوية ثانوية جمعية، بدلا من هوية الدولة، بدلا من الركون الى القانون، وبالمحصلة، يتحول كل المجتمع الى روابط تقوم على العنف، واخافة الاخرين، عبر التلويح بالعنف الكامن، القابل للانفجار الى اقصى درجة.
معالجة العنف، لا تقف عند حدود الجامعة الاردنية، بل يحتاج العنف في الشخصية الاجتماعية الى معالجة أعمق، والاغلب ان لا أحد قادر على الابحار في هذا الملف، لاعتبارات كثيرة، مما يعني ان العنف سوف يبقى سمة اساسية، قابلة للتطور، خلال السنين المقبلة، في ظل التراجعات الاقتصادية والاجتماعية، وضعف الرقابة والمحاسبة، وعدم وجود خطة، لإنهاء العنف من جذوره، بدلا من معالجة تداعياته.
(الدستور 2016-11-27)