فاصل ولن نعود !!
اصبحت عبارة فاصل ونعود القاسم المشترك بين مئات الفضائيات، والفاصل بالضرورة سلسلة طويلة ، ومملة ومتكررة من الاعلانات، ومنها ما يتجاوز السّلع والاطعمة والصابون الى الخرافات، ففي ذروة فيلم عربي بالابيض والاسود صنّف ضمن اهم مئة فيلم في مئة عام يأتي الفاصل، لكن هذه المرة من ساحر وامرأته، انهما يشفيان من المرض الذي عجز الطب عن علاجهم بالرقى والطقوس.
مما يذكّرنا بقصصة يحيى حقي «قنديل ام هاشم» حيث كان الناس بسبب فائض الجهل يعالجون عيون ابنائهم من الرمد وسائر الامراض بزيت من قنديل مقدس، وانتهى الامر الى ان اصبح عدد العميان يتجاوز عدد المبصرين، وكان طه حسين في طفولته من هؤلاء الضحايا .
اما الفاصل الاخر الذي لم اشاهد ما بعده وحذفت القناة فهو تشويه لروايات منها ثلاثية نجيب محفوظ ورواية شيء من الخوف بحيث تصبح اعلانات عن الزيت والشامبو بعد تحوير يفرغها من محتواها .. حتى جمهورية افلاطون عبثت بها الاعلانات واصبحت غير صالحة للبقاء في التاريخ لأنها تخلو من مكيفات الهواء والمراوح !
ما الذي تبقى اذن ؟ ما دام كل شيء مباحا في الاسواق ؟ ولأنني كمشاهد اعزل ولا حول لي ولا قوة فإن ما املكه هو اضعف الايمان، اي عدم العودة بعد الفاصل والاقلاع عن مشاهدة قنوات من هذا الطراز .
احيانا يخطر ببالي ان هذه الاعلانات لا طائل من ورائها وان معظم الناس يخفضون صون التلفاز او يغيرون القناة بانتظار العودة الى البرنامج او الفيلم الذي يشاهدونه، فهل هناك وراء الاكمات والكواليس ما ينطلي علينا جميعا بحيث نصدق ان ما نشاهده اعلانات بالفعل …
ليس بعيدا ان تستخدم الاعلانات كواجهة تجارية لتشويه التاريخ والفن، والتراث ايضا لأن اغانيه الخالدة تعرضت لاستبدال مفرداتها مع الحفاظ على اللحن لكن لكي تستبدل العشق بالبيع والحبيب بزجاجة زيت او علبة حليب .
نعم ان اضعف الايمان هو عدم العودة بعد الفاصل، فالتشويه الذي لحق بواقعنا في كل الميادين لم يعد كافيا بحيث تتمدد المخالب الى الماضي لتعيد انتاجه تبعا لمعايير التفاهة والتسطيح والتشويه !!
(الدستور2016-11-27)