"كود حلب"!
أحرزت القوات السورية، بمساعدة هائلة من الروس والإيرانيين وحزب الله، تقدّماً كبيراً عبر سيطرتها على أحد أكبر أحياء مدينة حلب (في الأحياء الشرقية)، وهو حيّ مساكن هنانو، الذي يكتسب أهمية استراتيجية، ويسمح لقوات النظام بالسيطرة على أحياء جنوبية أخرى، ثم فصل المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة إلى جزأين.
يبدو، وفقاً لمدير "المرصد السوري"، أنّ سقوط العديد من الأحياء الجنوبية سيكون بمثابة "تحصيل حاصل"، بعدما تطبق قوات النظام السيطرة الكاملة تماماً على حيّ هنانو، مما يُضعف كثيراً من قدرة المعارضة المسلّحة على المقاومة، بعد فترة طويلة من الصمود الأسطوري في مواجهة القوات السورية والقصف الروسي، والميليشيات الإيرانية وحزب الله، وفي ظروف استثنائية شملت حرب التجويع والتركيع، واستراتيجيات الأرض المحروقة!
حيّ مساكن هنانو بات خالياً من السكّان تقريباً، وله أهمية رمزية أيضاً؛ فهو أول حيّ سيطرت عليه المعارضة في حلب في صيف العام 2012. ولم يكن الحيّ ليسقط، وأن تصل الأوضاع في حلب إلى هذا الحدّ الذي توشك فيه على الخضوع للمحور الإيراني-الروسي، لولا عاملان رئيسان:
العامل الأول، هو التحول في الموقف التركي، بخاصة بعد محاولة الانقلاب العسكري. إذ يبدو أنّ هناك "اتفاقاً" غير معلن بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فيلادمير بوتين، يقضي بالتخلي عن حلب، والتركيز على الخطرين الكردي وتنظيم "داعش"، أي المناطق الحدودية المحاذية للحدود التركية.
التحول التركي هو "كود حلب" الذي لا تصرّح به المعارضة السورية، لأنّها ما تزال تعتمد على الدعم التركي السياسي، ولارتباطها لوجستياً بتركيا. لكنّ من الواضح أنّ حلب التي ساعد الأتراك على تمكين المعارضة منها، هي نفسها من تدفع ثمن الموقف التركي الجديد.
العامل الثاني، يتمثل بحرص الروس على استثمار حالة "الفراغ الرئاسي" الأميركي، إلى حين انتقال السلطة ليد الرئيس المنتخب دونالد ترامب. فيسعون اليوم -الروس والنظام- إلى إنهاء "عقدة حلب" تماماً، والسيطرة عليها، ما يجعل أي مفاوضات مقبلة على مستقبل سورية محسومة بدرجة كبيرة لصالح الروس.
على ماذا ستتفاوض المعارضة السورية، ومن يسمون "الأنظمة العربية" بعد حلب؟
سيقول لهم الروس والإيرانيون: حسناً، هناك اليوم ثلاث مناطق متبقية. الأولى، هي الرقة وجزء من ريف دير الزور، لتنظيم "داعش"، والثانية إدلب لفتح الشام عملياً (جبهة النصرة سابقاً)، وهما تنظيمان موضوعان على قائمة الإرهاب. والثالثة هي المناطق الجنوبية، وفيها حالة تهدئة ووقف إطلاق نار برعاية عربية وغربية؛ أي بإشراف دولي، فمع من نتفاوض (والكلام للروس والإيرانيين)؟!
المنطقة الوحيدة التي بقي فيها وجود نسبي لفصائل "الجيش الحرّ" (وهو اسم فضفاض) هي درعا، وجيش الإسلام في غوطة دمشق، الذي دخل معركة قاسية مع فصيل "لواء الإسلام"، أدت إلى خسارتهما جزءاً كبيراً من المناطق التي يسيطران عليها. وهناك اليوم تسويات وصفقات من النظام السوري مع السكان المحليين، لإنهاء ما بقي من مناطق في دمشق وريفها من المعارضة.
بعد ذلك، فإنّ درعا، مدينة الثورة ومهدها، لن تجد نفسها إلا معزولة ومحاصرة، والرعاة الرسميون سيسعون إلى تسوية إنسانية، تؤدي إلى إنهاء وجود المعارضة المسلّحة المجمّدة أصلاً، والمعطّلة، بعدما خرج أغلب أعضاء "جبهة النصرة" منها، ولم يبق منهم (مع أحرار الشام) إلاّ من يقاتل "جيش خالد بن الوليد" (تنظيم "داعش" في ريف درعا الغربي)!
لكن، دعونا نتصوّر ماذا يمكن أن يكون عليه الوضع في منتصف العام 2017، ضمن السياق الحالي في العراق وسورية..
هيمنة المحور الروسي-الإيراني على العراق وسورية، ونفوذ كبير في لبنان واليمن.
(الغد 2016-11-28)