رحيل الفارس الأخير..حارس أحلام الشعوب..
خرج من بين صفوف الفقراء بتواضع الزعيم القائد، جاء من حقول التبغ وقصب السكر والقلق والحلم، ليعلن موته الخاص بشروطه، ويهب جسده وقلبه وروحه وصوته لشعبه، هذه هي عادة الزعيم الذي في قلبه سلام وصلابة وصمود بالقدر الذي يمنحه القدرة على التحول من بطل الى اسطورة.
لأن الراحل قائد مختلف وزعيم تاريخي مميز، وواحد من معالم العصر، يجب أن ترتفع الكلمات الى مستوى القمة عند الحديث عن فيديل كاسترو، الذي كتب الشاعر نيرودا، فيه وله، أجمل قصائده بعنوان « فيديل «. أما صديقه الأعز والوفي، الذي اطلق عليه كاسترو لقب ( ألغابو ) وهوالروائي الراحل غبرييل غارسيا ماركيز، فقد كتب عنه اروع الكلمات، وأطلق عليه اجمل الأوصاف الثورية الواقعية الأنسانية.
المواطن الكوبي المتفرد صاحب الصوت المهيمن فيديل كاسترو روز ودع قلقه وحلمه ورحل، لأن لكل نشيد بداية ونهاية، ولكن من يستطيع ان يدفن الثورة مع الثائر ؟! ولكن رحيل كاسترو يمثل ضياع فصل من زمن جميل، فهو الذي وزع نفسه في كل الجهات، وانتشر في كل ثورة وحركة تحرر في الكون، حتى أصبح المشترك في الأنبهار الجماعي لكل الشعوب التي صعد بها الى اعالي الأمل، لذلك كنا نراه لنتماسك، ونسمعه لنمضي في طريق الوعود الباهرة.
هو الصبور الصلب الذي عرف صواب قلبه وعقله وفكره فانتصر، رغم الأعصار ( الغزو العسكري ) الذي تعرضت له بلاده وشنته القوة العاتية العظمى، ورغم اطول حصار في التاريخ فرضته على بلاده أقوى دولة راسمالية متوحشة. صمد بوجه الحصار والأعصار حتى ساعاته الأخيرة، دون أن يضعف أو يساوم أو يقايض، وأختار الطريق الأصعب وأصر ان يكون الحد الفاصل بين مرحلتين.
لا يوجد في هذا العالم من تعرض لمحاولات اغتيال مثل كاسترو الذي ضرب رقما قياسيا في التسلل من بين رصاصات الأغتيال، أو الأفلات من جرعات السم، حتى أن كاسترو أعترف مرة ان القاتل الذي انتحل صفة مصور، وقف امامه يرتجف ولم يستطع اصبعه الضغط على الزناد.
رغم الحصار والغزو ومحاولات الأغتيال المتسلسلة، صمد البطل التراجيدي كاسترو حتى أكتملت الأسطورة. وصمدت كوبا بوابة البهجة البعيدة، وعمل الشعب الكوبي حتى حقق الأكتفاء الذاتي على الصعيد الاقتصادي، بفضل صبر وحكمة وموهبة قيادته. وقد اعطى كاسترو اهتماما خاصا لتامين التعليم المجاني والعلاج الطبي لكل الشعب، حتى وصلت كوبا الى درجة متقدمة متميزة في التعليم خصوصا في الطب بالنسبة لعدد السكان.
بعد هذه المسيرة الطويلة رحل « جد الثورة الكوبية «، ولم ولن يغب صوته الأجش المهيمن، ولا لغته ووقفته في خطاباته الطويلة، لأن كوبا، وكل الشعوب المضطهدة، ستظل تسمع صدى صوته وتردد اقواله، بعدما تحول من بطل الى اسطورة. لم نفتقده بعد، لأنه غير قادر على استدراجنا لنألف غيابه، لأن اسمه سيظل حارسا لحدود احلام آمال الشعوب، له المجد والرحمة ولشعب كوبا الصبر والصمود.
(الراي 2016-11-28)