مجلس وحكومة جديدان.. وتقاليد ديمقراطية!
في التقاليد الديمقراطية حقائق راسخة، أهمّها أنّ المتنافسين يحترمون خيار الآخرين، وفي اللحظة التي تُعلن فيها النتائج النهائية يقبل الجميع بالحقيقة الجديدة التي أوصل إليها صندوق الاقتراع، فيذهبون لتهنئة ذلك الذي تمّ انتخابه، ويبدأون معاً مرحلة أخرى، تعترف بالواقع الجديد.
ولسنا مع السياسات الأميركية، ولكنّنا نحترم تقاليدها، ففي اللحظة التي عرفت فيها هيلاري كلينتون أنّ دونالد ترامب هو خيار الصندوق الانتخابي، وحتى قبل الاعلان عن النتائج النهائية، اتصلت به، وقالت: أنا رهن تصرفك، وجاهزة للتعامل معك، وحتّى في لبنان، الذي تعصف به تناقضات الطوائف، وضاع كرسيّ الرئاسة فيه سنتين ونصف السنة في الفراغ، نحترم مواقف الأفرقاء بعد تهدئة التناقض، وانتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً، وأوّل المحترمين هو سعد الحريري الذي ترفّع على ثاراته الشخصية، فقدّم مبادرة أوصلت إلى حالة التوافق.
نتحدّث عن غيرنا، ولكنّ عيننا على الأردن، وينبغي أن نضمّ أنفسنا إلى تقاليد الديمقراطية، فبعد قانون انتخاب أوسعه الكثيرون شتماً، ولكنّهم تعاملوا معه، وصلنا إلى مجلس نواب كان التشكيك بنزاهة انتخابه هامشياً، وبعد خمسة أيام ماراثونية، من الشدّ والجذب، أعطى هذا المجلس ثقته بحكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي.
الناس، عندنا، تحبّ أن تخوض في مسألة: مَن أعطى وَمن حجب ومن امتنع، وهذا أمر مفهوم، ولكنّه سينتهي بعد أيام، فنحن أمام حقيقة ديمقراطية، سيتعامل معها الجميع، ومن المؤكد أنّ تصنيفات من أعطى ومن حجب ليست نهائية تأييداً ومعارضة، وهكذا فنحن أمام حالة إمكانية إعادة تشكيل لمواقف سنعرفها مع أداء الحكومة تجاه كلّ الملفات المستحقة.
الدكتور الملقي شكّل حكومتين في أشهر قليلة، بغياب مجس النواب، والأولى كانت بمثابة تصريف أعمال، أمّا الثانية فقد وقفت أمام المجلس المنتخب، وحصلت على ثقته، ومن بين عشرات الملفات التي طرحت خلال جلسة الثقة لم نشهد اختلافاً بين المجلس والحكومة إلاّ على قضيتين: مناهج الدراسة، وغاز العدو الاسرائيلي، وفي الأولى فقد أعلن الدكتور الملقي أنّ القضية خاضعة للنقاش، وفي الثانية فقد قدّم مبرّراته الرسمية للاتفاقية، ولكنّها في آخر الأمر مؤجلة التطبيق حتى ما بعد سنتين، حيث نعرف أنّ الله يخلق ما لا تعلمون، وخصوصاً في منطقتنا حيث الرمال المتحركة.
ما نقوله، في آخر القول: إنّ هناك أجواء مريحة يمكن البناء عليها، وهذا ما يضع الحكومة والمجلس النيابي في مُختبر النوايا الوطنية المعلنة، والمتّفق عليها، تلك التي لم تخل كلمة نيابية أو حكومية منها، وأوّلها تحقيق الرأي الملكيّ في الأوراق النقاشية المعروفة.
(السبيل 2016-11-28)