طغيان زعماء المراحل الشاذة!
أخيراً، صوت مجلس النواب العراقي، السبت الماضي، خلال جلسته الـ32، على قانون "الحشد الشعبي"، بعد أن غير تسميته إلى "هيئة الحشد الشعبي".
وشهدت مفاوضات أو محاولات إقرار قانون الحشد الشعبي جدلاً محتدماً بين الأوساط السياسية. والاعتراض الأبرز كان من تحالف القوى الذي يتزعمه نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي، الذي رأى أن "تمرير القانون يُعد تجاوزاً على مبدأ الشراكة الوطنية، وعملية ليّ أذرع، بالنظر إلى تمريره بالأغلبية البرلمانية، وليس وفق مبدأ الشراكة والتوافقات السياسية".
بهذا الخصوص، قال النائب عرفات كرم إن "العراق انتهى كدولة مدنية بعدما صوت مجلس النواب خلال جلسة اليوم على مشروع قانون الحشد الشعبي". وإن "نواب الكتل الشيعية تمكنوا من تمرير مشروع القرار، بالرغم من مقاطعة النواب السُنّة لجلسة اليوم"، و"بحسب مشروع القرار فإن قوات الحشد الشعبي ستكون تحت إمرة رئيس الوزراء بصورة مباشرة، وسوف تحرك تلك القوات إلى أي مكان عند الحاجة إليها"، وإن "الأطراف الشيعية سارعوا في إقرار القانون لأنهم كانوا يعلمون أنه بعد استعادة الموصل يجب أن تحل تلك القوات، لذا سعوا إلى بقاء الحشد الشعبي بطريقة قانونية".
بخلاف هذه المواقف الرافضة للقرار، رأينا جملة من المواقف المساندة، بل والمباركة لإقرار قانون "هيئة الحشد". إذ ذكر رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، أنه "ومنذ البداية حرص على تشريع القانون ليكون الضمانة لحقوق المجاهدين بعد كل التضحيات التي قدموها وما يزالون يقدمونها"، وأن "إقرار قانون الحشد الشعبي من قبل مجلس النواب اليوم، إنصافاً لمنْ لبى النداء دفاعاً عن العراق منذ اللحظة الأولى لانطلاق المؤامرة التي كانت تستهدف تمزيق وحدة البلاد". من جانبه، هنأ رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي "الشعب العراقي وقوات الحشد بإقرار مجلس النواب لقانون الحشد الشعبي" مؤكداً على "أهمية هذا القانون وضرورة إقراره".
وهنا يمكننا أن نتفهم "سعادة" هؤلاء الزعماء بإقرار قانون الحشد الشعبي، وكذلك الأبعاد الحقيقية لإقرار القانون عبر تسليط الضوء على الزوايا التالية:
- استمرار نظام الحكم غير الجامع في البلاد، وبقاء دكتاتورية الأغلبية الوهمية التي لا يوجد مستند قانوني أو رسمي لادعائها بأنها أغلبية، وأن كل ما في الأمر هو تحشيد إعلامي يوهم الآخرين أن هناك أغلبية شيعية في العراق.
- إقرار القانون فيه ضربة علنية للدستور والعملية السياسية وأعمدتها التي طالما ارتكزوا عليها، ومنها الشراكة الوطنية والتفاهمات والتوافقات.
- ظهور التحالف الوطني بموقف طائفي علني، عبر تمريره للقانون رغم عدم حضور الغالبية العظمى من النواب السُنّة والكرد لجلسة التصويت.
- هذا القانون يُهمش القوات المسلحة العراقية، ويبقي تغول مليشيات الحشد الشعبي في المشهد العراقي حتى بعد انتهاء معارك الموصل، أو حتى بعد خروج" داعش" نهائياً من المشهد العراقي. وبالتالي، يضمن زعماء التحالف استمرار نفوذهم السياسي وسلطانهم لأنهم باتوا يمتلكون قوات رسمية موالية لهم.
- إقرار هذا القانون يُعد انتكاسة كبيرة للعدالة، لأن الكثيرين من عناصر الحشد الشعبي متهمون بجرائم قتل وإرهاب، وإقرار القانون فيه إضفاء لشرعية إرهابهم وحماية لهم.
- بعث رسالة تهديد واضحة ورسمية للذين يفكرون بمقاضاة زعماء "الحشد" وعناصره الذين ثبتت بحقهم جرائم قتل وإرهاب وسرقات، وفي الوقت ذاته فيه رسالة تطمين لعناصر "الحشد" على اعتبار أنهم أصبحوا في الدائرة الآمنة.
استمرار تفرد التحالف الوطني الشيعي بحكم العراق، يؤكد أن هناك أجندة خارجية توجه زعماء التحالف لتحويل العراق إلى حديقة خلفية لإيران أو لتحقيق ما صرح به علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي قال إن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي".
إقرار هذه القوانين غير المنطقية لا يعني أن الجناة سيكونون بعيداً عن قبضة العدالة، لأن إرادة الشعوب أقوى من طغيان زعماء المراحل الشاذة.
(الغد 2016-11-29)