الرقابة على الأسعار بين الواقع والأمنيات..
الرقابة على الاسواق التي تمارسها السلطات الرسمية المختصة سواء في وزارة الصناعة والتجارة او «المواصفات والمقاييس» او دائرة الغذاء والدواء او او من المؤسسات المعنية بعدالة الاسعار وضمان الجودة، يفترض انها تطبق القوانين والتعليمات الناظمة للاسواق لحماية حقوق المستهلك بالدرجة الاولى باعتباره متلقي السلعة والخدمة، والبائع او التاجر في موقع قوة، الا ان الاسواق تعاني فوضى ليس لها اول ولا آخر، فالمشكلة ان التجار ومقدمي الخدمة اقل كلمة يوجهونها للمستهلك .. اذا مش عاجبك روح اشتري من عند غيري، واذا قال المستهلك للبائع ان هوامش الاسعار للسلع تتراوح ما بين كذا وكذا حسب تسعيرة وزارة الصناعة والتجارة ..يرد عليك البائع روح اشترى من الوزارة.
نتابع على سبيل المثال جهود مؤسسة «الغذاء والدواء» حيث تتلف اطنان من السلع غير الصالحة للاستخدام للناس، وهذا مؤشر خطير جدا ويعني ان هناك اضعاف اضعاف من هذه الكميات تباع للمستهلك دون ان يعرف نوعية وجودة السلع وعدالة اسعارها، فالمستهلك الاردني يحتاج الى جهود للتوعية وهذه مسؤولية جمعية حماية المستهلك ووسائل الاعلام الرسمي من الاذاعة والتلفزيون، كما ان قانون حماية المستهلك يجب ان يكون لديه سلطات لمقاضاة المتجاوزين على حق المستهلك الذي اضناه الغلاء وتمادي بعض التجار.
ومن الامثلة رفض عدد غير قليل من اصحاب المطاعم الشعبية الالتزام بقرار الحكومة بتخفيض اسعار المطاعم الشعبية واستمرار العمل باسعار يفترض ان تكون قد خفضت في بداية شهر ايلول / سبتمبر الماضي، وفي نفس الاتجاه قامت شركات صناعة الالبان في الشهور الماضية بتثبيت سعر منتجاتها الا انها خفضت وزن عبوات اللبن والمنتجات الاخرى من كيلو الى 800غم، وهذا الغش لم يجد من يقف امامه، اما تاريخ صلاحيات المنتجات لا يتم الالتزام بها، وبعض المحلات والسوبر ماركت الصغيرة والمتوسطة يقومون باطفاء ثلاجات العرض خلال الليل لتخفيض تكلفة الطاقة الكهربائية مما يؤدي الى سرعة تلف المنتجات المعروضة بالرغم من انها ما زالت صالحة للاستخدام من منتجات الالبان واللحوم المبردة.
تحرير الاسواق التجارية امر محمود يفترض ان يحسن المنافسة ويستفيد منها المستهلكين والتجار الاكفاء، الا ان مفهوم حرية السوق السائد حاليا هو نوع من انواع التعدي على حقوق المستهلكين، ففي نفس المنطقة واحيانا نفس الحى او الشارع نجد اسعارا متفاوتة لنفس السلعة دون مبرر، وهذا يحتاج الى متابعة حقيقية وفعالة من السلطات الرقابية على الاسعار…مرة اخرى ضبط الاسواق لن يتحقق دون وجود جمعيات تعاونية استهلاكية تعمل لمنفعة المجتمع وتحصل على هامش ربح بسيط لضمان الادامة.. وهذا معمول به في الدول الغنية والفقيرة والدول الراسمالية والاشتراكية، لكن يبدو انها نعمل وفق نموذج فريد حافل بالاختلالات والمبالغة في الاستقواء على جمهور المستهلكين.
(الدستور 2016-11-29)