يسألون: ماذا بعد حلب؟
نقف امام لحظة تاريخية ، فقد أعلنت حلب عن ولادة زمن جديد بعد تحريرها ، واندحار الارهاب ، وبعد الحسم العسكري الذي حشر التنظيمات المسلحة الأرهابية في زاوية مظلمة تقاطعت فيها المصالح العابرة.
المشهد بمجمله ، أفقد الدول الغربية أعصابها ، وأجبرها على المطالبة بوقف القتال ، أوأنها تضغط لفرض « هدنة أنسانية « !. وهو المشهد الذي يقودنا الى طرح سؤال متداول: ماذا بعد حلب ؟
بعض السوريين ، أو بعض المعارضة السورية ، أعتقد واهما ، أن قوى اقليمية ودولية ستأتي اليه بالحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان ، ولكنه أكتشف متأخرا ، أن بلاده تحولت الى ساحة حرب كونية ، ومركز صراع للمصالح الأقليمية – والدولية تحت عناوين كثيرة ، والنتيجة كانت تدمير البلاد وتخريب نسيج المجتمع السوري بكل مكوناته ، أي أن سوريا الدولة والشعب هي الخاسر الأول والأخير.
اليوم ، وبعد معركة حلب الفاصلة ، بدأ المسلحون السوريون يلقون سلاحهم ويطلبون تسوية أوضاعهم ، والعودة الى ديارهم ، وهذه الظاهرة نشطت بعد حسم معركة حلب الكبرى. أما بالنسبة للمسلحين الغرباء المنتسبين للتنظيمات الارهابية ، والذين يتم حشرهم في ادلب والرقة ، فمصيرهم مجهول لأن دولهم في الغرب والشرق والبلاد العربية لن تسمح لهم بالعودة اليها.
ولكن ، رغم هذا الواقع شديد المرارة ، هناك فرصة أمام حوار سوري – سوري لحل المشكلة سياسيا وسلميا ، عبر الحوار والمصالحة والمسامحة والمشاركة ، كي لا يتكرر السيناريو الأميركي الذي حققته بغزو العراق ، حيث قامت ادارة الأحتلال بتغيّيب المصالحة الوطنية والمشاركة ، وفجرت كل الأمراض والأزمات المذهبية والعرقية ، وسمحت ، بل شجعت ولادة ميليشيات مسلحة ، وأطلقت العنعنات القبلية ، وبالتالي تركت العراق في حالة من الفوضى وعدم الأستقرار.
بعد معركة حلب ، نحن نراهن على وعي الشعب السوري ، من أجل الأنتباه والحذر من الوقوع في الفخ الأميركي الذي نصبه في العراق وفي ليبيا ، مع اختلاف التسميات والأدوات. لأن الولايات المتحدة لن تترك للمركب السوري الأبحار في الطريق الصحيح. اللافت ان واشنطن رفعت حظر توريد الأسلحة الى المنطقة ، وخصوصا لصالح الأطراف التي تقاتل النظام في سوريا ، تحت عنوان تضليلي هو محاربة داعش ، بل ذهبت الى ما هو أبعد ، فقررت ارسال تعزيزات لقواتها في الشمال السوري ، لمساعدة وحماية التنظيمات المسلحة ، بدل ارسال المساعدات الأنسانية للنازحين من احياء حلب.
بالمقابل هناك المشروع التركي ايضا. الثابت ان التوافق الأميركي التركي يتمحور حول اسقاط النظام وتفكيك الدولة السورية ، ولكن في الجانب الآخر تتقاطع مصالحهما المشتركة في الشمال. ففي حين تريد تركيا منطقة عازلة آمنة داخل الأراضي السورية ، وقواتها بدأت بدخول مدينة الباب السورية ، بهدف طرد الاكراد من المنطقة ، نرى الولايات المتحدة تقدم العون والدعم العسكري للفصائل الكردية بهدف منحهم الأقليم الشمالي ، ضمن مشروع التقسيم ، أو الحكم الكونفدرالي.
في البداية كما في النهاية ، يبقى الحل بيد السوريين وحدهم. نحن نعرف أن قوى عديدة ، أقليمية ودولية ، تبحث لها عن مقعد حول طاولة المفاوضات ، لتفصيل الحل الذي يناسب مصالحهم ، بعد مرحلة حلب ، وبعد الأنتصار الذي سيتجاذبه أكثر من طرف ، ولكن من حق السوريين وحدهم تقرير مصيرهم واختيار نظامهم السياسي وصياغة مستقبل بلادهم.
(الراي2016-12-12)