المعارضات السورية: قصة إفلاس.. مُعْلَن
وقائع السنوات الست التي توشك على الانقضاء، منذ اندلاع الازمة السورية، تكشف الآن في وضوح عن مدى الافلاس السياسي والاخلاقي لدى مَنْ جيء بهم الى الصفوف الأولى كي يقودوا «المعارضات السورية» التي لم تستقر على عنوان واحد، بل تعدَّدت عناوينها تِبعا للمُموّل والداعم ودافع المصاريف والنفقات, فضلا عن اولئك الذين توَلّوا عملية التسليح والتدريب والتهويل عبر البث الاعلامي المُزيِّف، وغيرهم ممن تم التغرير بهم وايهامهم بانهم سيكونون اصحاب القرار في الفيحاء, وان الجماهير سترفع صورهم في الميادين وتنتظرهم الحشود في الساحات عندما يهبطون في مطار دمشق, او عندما يعتلون ظهور دبابات «الثوار» وجيوش المجاهدين التي ستجتاح المدينة.
ومنذ بيان جنيف «الأول» الذي صدر في الثلاثين من حزيران 2012 اصيب «قادة» المعارضة التي تم اختزالها في المجلس الوطني (بما هوصناعة تركية خالصة) ومعظم اعضائه يحملون جنسيات غربِية، بمرض الغرور والنرجسية, حتى ان رئيسه برهان غليون ظهر على الشاشات في مظهر رئيس الدولة وبجانبه علم «الثورة» السورية، يُهنئ الشعب السوري بعيد الفطر, ويعِده بالنصر الى درجة صدّق او أَوهَم نفسه بانه «ديغول» سوريا (لِمَ لا وهو فرنسي الجنسية؟).
دماء غزيرة سالت على ارض الشام ودمار كبير لحق بعمرانها وبناها التحتية وملايين السوريين باتوا لاجئين ونازحين في دول الجوار وخصوصاً في بلادهم، تغيّرت خلالها موازين القوى وانقلبت التحالفات واصيبت معادلات الاصطفاف الإقليمية بتصدّعات، ولكن المعارضات السورية التي استمرأت حياة الفنادق الفاخرة ورفاهية المؤتمرات والضيافة، لم تتغير واستمرت على تَكلّسِها حتى بعد «اختراع» ائتلاف اسطنبول على جثة المجلس الوطني بقرار من هيلاري كلينتون, ثم لاحقا وخصوصا بعد صدور القرار 2254 وايكال مهمة التفاوض الى «الهيئة العليا للمفاوضات»، التي اصرّت على احتكار التمثيل المُعارِض وظن رئيسها رياض حجاب، الذي جيء به بعد «إهمال» مقصود لسنوات ثلاث، انه قادر على ان يحقق نتائج «تفاوضية» افضل او هكذا أَوهموه، لدرجة انه وضع شروطا تعجيزية, بدا لكثيرين وقتها، ان الرجل يتوفر على «اوراق سِرِّية» قادر على اظهارها في لحظة مناسِبة, ليجبر «النظام» على الاستسلام وتسليم السلطة بل وطلب الرحمة, كي يعفو عن اركانه, بدل تعليقهم على أعواد المشانق في ساحة «المرجه» الدمشقية’ كما فعل السفّاح العثماني جمال باشا الذي يُفاخِر بإرثِه... اردوغان.
انسحبت معارضة رياض حجاب، بعد ان نجحت في «استجلاب» هيئة حسن عبدالعظيم، الذي وقع هو الآخر في وهم الانتصار العسكري، المؤكَّد والوشيك، وذهب المفاوضون الى فنادقهم وراحوا يُكثرون من التصريحات والإطلالات الإعلامية والحديث عن دور «الحكومة المؤقتة» (بِنُسخِها المتعددة) التي سيذهب وزراؤها الى المناطق «المُحرّرة» ويشكلون البديل الجاهز، للنظام الآيل للسقوط، وكانت تركيا اردوغان ما تزال تفتح حدودها في الإتجاهين, لكل المرتزقة والآفاقين وتجار السلاح والاعضاء البشرية والمهربين وشذاذ الافاق، الى ان حلّ يوم الثلاثين من أيلول 2015، وجاء الانخراط الروسي عبر عاصفة السوخوي ليقلب كل الموازين ويحيل كل الخطط ومشاريع تقسيم سوريا ونشر الفوضى في المنطقة, الى «غبار» حقيقي اجبر الواهمين وداعميهم على «الإستفاقة» من غيبوبتهم والتعاطي مع الواقع بحد «ادنى» من الواقعية, لكنهم مضوا في غِيَّهم... سادرين.
ما علينا..
كل هذا السرد, المعروف للجميع, كان بقصد الاضاءة على اللحظة الراهنة وبخاصة بعد تطورات معركة حلب ودائماً بعد الفيتو الروسي الصيني المزدوج، وخصوصا بعد اجتماع باريس الذي انتهى للتو والذي دعا اليه رئيس الدبلوماسية الفرنسية ايرلوت, ضم دولا غربية وخمس دول عربية وانتهى الى «التسليم» بانعدام قدرتهم على تغيير مجرى الاحداث, اللهم سوى باطلاق التصريحات الرنانة (اقرأ المُنافِقة) لكن الاخطر فيها هو تطوع ايرلوت للنطق باسم «معارَضَة» ائتلاف الرياض ليقول لا فُضّ فوه: إن المعارضة على استعداد «لاستئناف» المفاوضات دون شروط «مُسبَقة»!.. اما رياض حجاب فقد اكتفى بالتقاط الصوَر مع المندوب السامي الفرنسي...الجديد.
صحّ النوم إذاً.. ما الذي تغيّر حقا؟ حتى جاء هذا «الكَرَم» التفاوضي وإسقاط «الشروط» التي كان وضعها حجاب وجماعته وخصوصا الجنرال المُفاوِض اسعد الزعبي، عندما قاد دي ميستورا الجولة الاخيرة من المفاوضات والتي انتهت الى «لا شيء» سوى تكرار معزوفة شروط ائتلاف حجاب عن المرحلة الإنتقالية الكاملة وأن لا مكان للأسد فيها,ظناً منه ان اللحظة مواتية, او هي اقتربت للفوز بـِ»الشرعية» الدولية, التي ما يزال يوهم نفسه انه يتمتع بها, رغم كل الهزائم الميدانية التي لحقت بالجماعات الارهابية التي يتكئ عليها, فيما هي لا تعترف به ولا تُقيم له ولِثوار الفنادق... شأناً؟.
فَهل يظن حجاب وائتلافه وهيئة التفاوضية، انهم ما يزالون يتوفرون على «الصِفَة» التي كانوا عليها قبل ان ينسحبوا من المفاوضات.. بنزق ومراهقة سياسية موصوفة؟، فضلاًعن محاولاتهم احتكار تمثيل المعارضات؟.
ثمة حاجة لاستدراك «الكثير» من قِبل حجاب وائتلافه, فلقد تغيّرت الظروف والمعادلات الاقليمية والدولية على وقع الوقائع الميدانية، وما كان متاحا لم يعد كذلك الان، وهذا يثبت لمن لا يزال يؤمن بمعارضات مُصطَنعة تم إنزالها بالمظلات الإعلامية والدبلوماسية، يمكن ان تأتي بالخير او الديمقراطية لشعوبها, بعد ان قادتها الى المجاعة وذل اللجوء والتشرد والخراب.
(الراي 2016-12-12)