فستق حلبي بالدم
في تلك الليلة الظلماء التي افتقد فيها العرب البدر وسائر النجوم عندما غرز شارون مخالبه في قلب بيروت، جاء من فرنسا ذلك القديس كما سماه سارتر والشيطان كما سماه فقهاء الظلام وهو جان جينيه ليحمي بيديه الموتى من اعادة القتل، وحين عاد الى بلاده بقميص مبقع بالدم العربي قال انه رغم الدخان والغبار رأى اطفالا يقطفون الورود على مشارف الصحراء …
في تلك الايام ايضا قال محمود درويش ندعو لأندلس ان حوصرت حلب، ما دام لكل تاجر سلاح زبائنه ولكل قاتل ايجاره قبل ان يجف دم ضحيته .
حلب الان هي قبلة الكاميرا والتعليق وحجر المغناطيس لكل برادة حديد سواء كانت من بقايا اسلحة مجهولة الهوية او من محترفي بكاء ومتعهدي جنائز !
كم تبقى من حلب في حلب ؟ وكم تبقى من مفردات المعجم العربي التي غادرت القواميس لتصبح ذات دلالات معكوسة، فهل تحققت نبوءة جورج اورويل في حلب وليس في لندن او نيويورك او موسكو بحيث يضيع الحدّ الفاصل بين الانتصار والانكسار وبين الرأس ومسقطه وبين غسق تنعق فيه البوم وشفق تحوّل فيه الندى الى دم ؟
المحترفون ومتعهدو المآتم القومية يكتبون عن حلب كما كتبوا عن بيروت ومن قبلها يافا والقدس وعن غرناطة ايضا ، حلب لها ما تفعله غير زراعة الفستق الحلبي، ولها ما تصرخ به غير القدود الحلبية ..
حرام علينا هذا الاختزال لتراجيديا سالت فيها دماء الضحايا على بعضها، وكفى استقطابا وتجاذبا وتراشقا على حساب الضحايا … فمن لم يمت بالرصاص مات بالبرد او كظم الغيظ او حزنا على ذويه وأعز ما يملك من ذكريات عن مدينة تحولت الى اطلال !
الفستق الحلبي بعد الان منقع بالدم فحذار ان تأكلوه، تماما كما ان ما يكتب للمناسبات اشبه بمعجنات مبللة بالدمع !
(الدستور2016-12-19)