ما بعد حلب: إدلب أم المفاوضات
حقّقَ الدّعمُ الروسيّ للنظام السوريّ الغلبة العسكريّة في حلب. ونظريّاً، يُمكن أن يسهم هذا الدعم في بسط سيطرة النظام على إدلب. لكن ما أثبتته حلب ومناطق أخرى قبلها هو أن لا حسم عسكريّاً للحرب في سورية. فرغم حجم القوّة العسكريّة التي استعملها النظام وحلفاؤه لإخضاع عاصمة الشمال السوريّ، انتهت المعركة باتّفاق. ومثلها، لن تنتهي الحرب في سورية إلّا باتّفاقٍ سياسيّ.
فحلب العاصمة الاقتصاديّة التي استعاد النظام سيطرته عليها أحياءٌ مهدّمةٌ واقتصادٌ متوقّفٌ وجرحٌ إنسانيٌّ ينزف! المقاتلون الذين أُخرجوا منها انتقلوا إلى مناطق تحت سيطرة المعارضة ليقاتلوا في يومٍ آخر. أطفال المدينة الذين تشرّدوا سيحملون السلاح وسيلةً لاستعادة بيوتهم وكرامتهم لحظة اقتدارهم ذلك. انتهت معركةٌ في حربٍ ستولّد معارك أخرى.
ثمّة احتمالان لما بعد حلب: الأوّل يقود إلى معركةٍ جديدةٍ في إدلب لاستكمال سيطرة النظام على ما صار يُسمّى "سورية المفيدة". الثاني يفرض في جنيف أو أستانا أو غيرهما مفاوضاتٍ سياسيّةً تضع البلد على طريق وقف الاقتتال والبحث عن حلٍّ سلميّ.
المؤشّرات الحاليّة هي أنّ الجهد سينصبّ على تفعيل المسار السلميّ. فروسيا أعلنت أنّها تريد مفاوضاتٍ جديدة. وتركيا، حليف المعارضة الميدانيّ والسياسيّ الأقوى حاليّاً، تبدو توّاقةً لملاقاة الروس على طاولة الحوار. فالعلاقات الروسيّة التركيّة تحسّنت، ما جعل اتّفاق حلب ممكناً، وفرض ديناميكيّةً مختلفةً على مواقف أنقرة، التي ما انفكّت تقارب الوضع في سورية والمنطقة من منطلقاتٍ مصالحيّة.
لكن هل تستطيع روسيا وتركيا النجاح في الوصول إلى خطّة طريقٍ لحلٍّ سياسيٍّ فشل المجتمع الدوليّ، وبانخراطٍ أميركيٍّ كبير، في الوصول إليه؟
تستطيع روسيا وتركيا أن تنجحا في الوصول إلى حلٍّ حيث فشل غيرهما لأن البلدين مؤثّران على الأرض. روسيا تمثّل رمق حياة النظام الرئيس. وتركيا مفتاح الدعم العسكري والمالي للمعارضة والفصائل المقاتلة وطريقه. إن اتّفقت هاتان القوّتان بات ممكناً تغيير الوضع على الأرض، والضغط على أطراف الصراع الآخرين للقبول بما توصّلتا إليه.
وبأيّ حال، لن تستطيع روسيا دعم النظام السوري إلى الأبد. فكلفة الحرب ترتفع، والظروف الدوليّة قد تتغير مع تولّي دونالد ترامب قيادة واشنطن. أضف إلى ذلك ما يشاع عن اختلافات بين روسيا وإيران اللتين تشاركان في الحرب لأسبابٍ مختلفةٍ تتضارب أحياناً.
وكذلك بدأت كلفة الحرب ترتفع على أنقرة. كسرت خمس سنواتٍ من الحرب أيّ أحلامٍ غير واقعيّةٍ ظنتها قيادات فيها ممكنة، وبات من مصلحة تركيا وقف الانهيار على حدودها.
بالطبع سيعتمد النجاح على واقعيّة الطرفين في تبنّي مواقف تسهم في التأسيس لحلٍّ يلبّي شروط المصالحة الوطنيّة. فلا روسيا ستنجح في أخذ الصراع نحو التسوية إن سعت لفرض مواقف مستندةٍ فقط إلى ميزان القوّة الذي جعلته هي في صالح النظام. ولا تركيا تستطيع فرض مواقف لا تُقرّ بالحقائق على الأرض.
شروط الحلّ، الذي ستكون طريقه صعبةً وطويلة، تحتويها قرارات "جنيف1" وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 . أيّ طرحٍ يعكس روح هاتين المرجعيّتين ويستهدف إنتاج عمليّةٍ سياسيّةٍ تضمن انتقالاً حقيقيّاً للسلطة، سيكون من الممكن تسويقه دوليّاً وإقليميّاً، وبالتالي بناء التعاون اللازم لإنجاحه.
(الغد2016-12-18)