نقل السفارة الأميركية حمـاقة سترتكبها واشنطن
المفترض أن تكون الولايات المتحدة بكل مؤسساتها المعنية قد تعلمت من الدرس العراقي الشيء الكثير فهي عندما غزت العراق وأحتلته كانت نتيجة حلّ الدولة وحل الجيش وإلغاء المؤسسات والأجهزة الأمنية وفتح الأبواب على مصاريعها أمام إيران لتحتل هذه الدولة العربية الرئيسية ولتنكل بأبنائها وفقاً للإنتماء الطائفي وتلاحق بالإهانات والتجويع والإعتداء على كرامات ضباط الجيش العراقي بحجة وذريعة أنهم ضباط صدام حسين والحقيقة لأنهم أبلوا بلاءً حسناً في حرب الثمانية أعوام ودافعوا عن بلدهم ووطنهم دفاعاً مجيداً وببطولات عظيمة.
فماذا كانت النتيجة ؟
لقد كانت النتيجة أن هؤلاء الضباط ومعهم كثيرون من جنودهم قد إضطروا للهروب بأرواحهم وكراماتهم وشرفهم وأعراضهم إلى ما أصبح يعرف بإسم تنظيم «داعش» الإرهابي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عـدواً لـه مـا مـن صـداقـتـه بـدُّ
والمفترض أنه بات معروفاً للأميركيين والإيرانيين وللعرب والعجم وكل من يهمه هذا الأمر أنَّ صمود هذا التنظيم، الذي لا خلاف على أنه إرهابي ويجب القضاء عليه، في الموصل وغير الموصل سببه إنضمام هؤلاء الضباط ومعهم كثيرون من جنودهم الذين خاضوا وإياهم حرب الثمانية أعوام الباسلة وهذا هو إحدى نتائج ذلك الخطأ الفادح الذي إرتكبته الولايات المتحدة عندما وبعد غزوها للعراق وإحتلاله بادرت إلى حلِّ الدولة العراقية وحل جيشها وإلغاء كل مؤسساتها وحل أجهزتها الأمنية وكانت النتيجة فراغاً بادرت إيران، التي كانت تنتظر وعلى أحرِّ من الجمر هذه اللحظة التاريخية، إلى ملئه بسرعة ولتمارس، من خلال حراس ثورتها وتنظيماتها المذهبية وأتباعها، على فئة معينة هي العرب السنة بطشاً منهجياً دفع الكثيرون من هؤلاء إلى طلب الحماية من عدوٍّ لهم ليس من صداقته بدُّ.
وكل هذا وها هي الولايات المتحدة، في عهد دونالد ترامب والإدارة الجمهورية الجديدة، سترتكب حماقة جديدة أخطر من هذه الحماقة الآنفة الذكر إنْ هي، بعد تعيين هذا «الصهيوني» ديفيد فريدمان سفيراً لها في إسرائيل الذي كان قال أنه ينتظر بفارغ الصبر للقيام بمهمته :»في العاصمة الأبدية لإسرائيل في القدس»، بادرت إلى نقل سفارتها من تل أبيب إلى المدينة المقدسة التي بقيت واشنطن ومعها معظم دول العالم لا تعترف بها عاصمة للدولة العبرية.
من الآن يجب أن يعرف الأميركيون أنه إذا نفذ دونالد ترامب وعده المشؤوم هذا ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس أن المستفيد الأول سيكون تنظيم «داعش» الإرهابي الذي سيجد المبرر، الذي بات يريده وينتظره على أحر من الجمر وهو يقترب من لفظ أنفاسه الأخيرة في الموصل والعراق وسورية وفي العالم بأسره، ليعيد تسويق نفسه على البسطاء من «المسلمين» من جديد ومرة أخرى وعلى أساس أنه حامي حماهم وحامي ديارهم المقدسة في فلسطين وفي كل مكان من الكرة الأرضية !!.
وهكذا فيجب ألا تقع الإدارة الأميركية الجديدة في مثل هذه الحماقة القاتلة فنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس هو تحدٍّ للمسلمين كلهم وهو تحدٍّ لن تستفيد منه إلاّ التنظيمات الإرهابية المتطرفة وفي مقدمتها «داعش».. إنه على هذا الإدارة أن تدرك أن هذه مسألة لا يجوز اللعب فيها وإن ما قد تقوم به في هذا المجال سيعرضها هي نفسها بكل ولاياتها لأخطار فعلية وحقيقية وهذا بالإضافة إلى أن كل سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية.. وجالياتها أيضاً ستكون معرضة لمثل هذه الأخطار.. وهذا ما لا يريده لا العرب ولا المسلمون..وعلى الإطلاق.
(الراي2016-12-19)