بانتظار العاصفة السياسية
لا أعرف.. كيف أشرح للناس هذا الألتباس الذي يسود المشهد المدفوع بغباء الى قاع هاوية الغموض ؟!
لا أعرف.. هل انضم الى جوقة الردح والردح المضاد ، في الهستيريا الجماعية القائمة ، والفوضى العبثية السائدة ، في وسائل الأعلام ومواقع الأتصال الأجتماعي ، في ظل انقسام وانفصام عام ؟!
الثابت أنه لم يعد في لغتنا سوى الخناجر ، لذلك أبحث عن حرية الكتابة في واقع غريب ، خسرنا فيه نعمة الحوار ، وادب المخاطبة ، كما خسرنا فيه نعمة تعايش الرأي والرأي الآخرتحت سقف واحد ، وهي ظاهرة مرحلية ، فقد فيها نظام المنطق قدرة الحفاظ على سلامته ، وهي مرحلة تذكرنا بزمن محاكم التفتيش ، يقيمها الناس لمحاكمة بعضهم ، وهي محاكم أخلاقية لا أخلاق فيها.
في حملة الهجاء الناشبة ، أرى أن كل فريق يدعي امتلاك الحق ، واحتكار الحقيقة ، واحتقار الآخر ، حتى ضاق الهامش الى حد العبث والجنون. والأهم أن هناك من يتجاوب مع الحملات الأعلامية المضللة التي استباحت وعي الناس ، وهي ترتدي حجاب « الثورة « الزائفة ، مسلحة بخطاب سياسي هابط ، تطلقه الفصائل المسلحة المتطرفة العالقة في الماضي ، والتي هدفها تشويه ما تبقى في هذه الأمة من روح قومية ، وطمس الهوية العربية.
الحقيقة أنني أرى بكل وضوح ، أن هناك من يصنع لنا عدونا الجديد من لحمنا ودمنا ، وهؤلاء يرددون ما كان يقوله ويفعله اعداؤنا القدامى. كذلك أرى أن ضمير « العالم الحر الأخلاقي « حريص على مصير التنظيمات الأرهابية ، أكثر من حرصه على مصير أهالي حلب وسكانها ، ودم سوريا النازف وهم قلقون على مصير الأرهابيين « المساكين « ، الذين خرجوا من جرح حلب ليتسلقوا على ظلالها واطلالها ، أو ظلوا في أحيائها.
الثابت ، كما هو مسجل في التاريخ ، أن الدول الغربية هي المسؤولة عن غياب السلام في بلادنا منذ احتلال فلسطين ، مرورا باحتلال العراق ، حتى « الأزمة الربيعية « في بلاد العرب ، التي نغرق في تفاصيلها اليوم ، والتي أفرزت معارضة لا تؤمن بالحوار والحلول السياسية ، في حين نعرف ، ونعترف ، بوجود اخطاء وخطايا لكل نظام خصوصا في غياب التنمية والعدالة ، وانتشار احزمة الفقر والبطالة والفساد ، مع اسباب اخرى في مقدمتها التلاعب الخارجي بمشاعر الشعوب ، والتدخل المباشر والسافر ، الأقليمي والدولي ، في الشؤون الداخلية للدول العربية المعنية ، لخلق واقع سياسي اقليمي جديد ، يخدم مصالح الغرب واسرائيل.
هذه المعارضة المسلحة المتطرفة ، وفي مقدمتها التنظيمات التي تحمل خطابا سياسيا دينيا ، سعت الى استلام السلطة بقوة السلاح ، وليس عبر معارضة سياسية وطنية ، ناشطة من أجل تبادل السلطة سلميا ، أو المشاركة فيها ، عبر القنوات الديمقراطية الشرعية. وهي معارضة معروفة بنهجها المكشوف المعتاد ، ولديها قناعة باستخدام العنف والفوضى ، لأنها تريد تشكيل سلطة قمع بديلة تستخدم الأرهاب الفكري والجسدي ورفض الآخر ، لدرجة الأنتقام من غيرها ومن ذاتها ، وهو السلوك الحاقد الذي يقودها الى طريق مسدود دائما ، اضافة الى انها تابعة لأنظمة ومرجعيات خارجية.
والأخطر في المشهد ، هو دخول أطراف اقليمية ودولية في المعادلة الحلبية ، بهدف زيادة المشهد تعقيدا ، وعرقلة كل الجهود الساعية لحل الأزمة بالطرق السياسية السلمية. لأن الهدف الأول والأخير هو تقويض الدولة وتفكيكها وتقسيم سوريا من بوابة حلب ، لأن العملية بمجملها مرتبطة بمشروع سياسي غربي هدفه النهائي انهاء الصراع العربي الاسرائيلي من اجل تصفية القضية الفلسطينية ، لذلك اقول لكم ان المشكلة طويلة ، والعاصفة السياسية آتية ، واتمنى أن تظل في حدودها السياسية ، وقد تكون الأعنف والأشمل ، ليس بالنسبة للعراق وسوريا فحسب ، بل ستكون عاصفة اقليمية.
(الراي2016-12-19)