مؤتمر موسكو: أيـن الـعـرب
حتى في عصور الإنحطاط عندما كان وطننا العربي موزعاً بين المستعمرين الغربيين، على مختلف مللهم ونحلهم، ما كان يحدث مثل هذا الذي يحدث الآن ونحن في القرن الحادي والعشرين وهناك الجامعة العربية التي يبدو أنها لم تعد تجمع أحداً فالإجتماع الثلاثي الذي انعقد في موسكو، والذي ضم وزراء خارجية ووزراء دفاع روسيا وتركيا وإيران تم تغييب العرب كلهم عنه وذلك مع أن انعقاده كان لتقرير مصير دولة عربية رئيسية هي سوريا التي من سوء طالعها أنها انتهت بعد سلسلة من الإنقلابات العسكرية إلى نظام حولها إلى مزرعة عائلية و»طائفية» فتح أبوابها للروس والإيرانيين ولأكثر من ستة وستين تشكيل مذهبي تم استيراد بعضها حتى من دول نائية بعيدة .
لقد كان بالإمكان فهم وتبرير أن يلتقي الروس، باعتبارهم أنهم أصبحوا يحتلون بكل معنى الإحتلال هذه الدولة العربية التي كانت انتزعت استقلالها من المحتلين الفرنسيين بالثورة والكفاح في عام1946، بالأتراك باعتبار مقتضيات الجوار والتاريخ المشترك الطويل وباعتبار الحدود المتداخلة التي غدت ملتهبة على مدى نحو ستة أعوام ماضية أمّا أن يؤتى بالإيرانيين إلى موسكو ليحتلوا مقعداً رئيسياً حول مائدة تقرير مصير سوريا فإن هذا يشكل إهانة للعرب كلهم أمةً وشعوباً ودولاً من المفترض أنها معنية بكل ما يهدد استقلال دولة شقيقة.
لماذا لم تدع إلى هذا الإجتماع ولا دولة عربية واحدة وتدعى إيران الدولة التي لم تعد أطماعها في هذه المنطقة خافية على أحد والتي تتدخل الآن عسكرياًّ في العراق وفي اليمن ويشارك حراس ثورتها ومعهم ستة وستين تنظيماً مذهبياً، تتبع لـ»الولي الفقيه»، في ذبح الشعب السوري وتدمير المدن السورية .. وحلب شاهدة على ما فعله ويفعله الإيرانيون في هذا البلد العربي الذي له على أشقائه ولو مجرد رفع الصوت عالياً للإحتجاج على هذا الإجتماع المشبوه الذي انعقد بهذه الدول الثلاث لتقرير مصير دولة شقيقة .
ويقيناً أنه ما كان من الممكن أن يحدث هذا كله وأن تصبح سوريا الشقيقة محتلة إحتلالاً عسكرياًّ، لم يعد بإمكان حتى موسكو إنكاره، لو أن العرب لم يبقوا صامتين ولو أن بعضاً منهم لم يتواطأ وبالطبع لو أن الإدارة الأميركية التي على رأسها باراك أوباما لم تتصرف إزاء أزمة أصبحت دولية بالطريقة التي تصرفت بها وكانت النتيجة هذا الذي نراه الآن حيث أصبحت روسيا الإتحادية تملأ الفراغ الذي أحدثه إنكفاء الأميركيين في عهد هذه الإدارة البائسة وأصبحت الرقم الرئيسي في الشرق الأوسط كله.
لقد كان على الروس تحديداً أن يدعو ممثلاً للجامعة العربية أو إحدى دولها الرئيسية كمصر أو المملكة العربية السعودية لو أنَّ نواياهم طيبة وشريفة ونظيفة ثم ولقد كان على هذا المرابط في قصر الرئاسة في دمشق مادام أنه، لا يزال يعتبر نفسه رئيساً لهذا البلد العربي، أنْ يعترض على هذا الذي فعله الروس ولو مجرد اعتراض لكن ما غدا واضحاً ومؤكداً أن روسيا الإتحادية، التي باتت تتصرف بالنسبة لكل ما يتعلق بسوريا كدولة احتلال، قد أرادت هذا المؤتمر التآمري الثلاثي على هذا النحو كي تلعب لعبتها بدون حتى ولا شهود زور يقولون شيئاً من الممكن إعتماد بعضه للتاريخ ومن أجل التاريخ.
إن هذا المؤتمر الذي وضع:»خارطة طريق» لحل الأزمة السورية من الواضح أن هدفها هو شطب العملية السياسية السابقة والقفز من فوق (جنيف 1) والقرارات الدولية المتعلقة بهذه الأزمة وكل هذا في غياب الأمم المتحدة وغياب المعارضة الفعلية وغياب أميركا والمجتمع الدولي كله وأيضاً وقبل هذا كله غياب العرب جميعهم مما يعني أن مصير هذه المحاولة البائسة سيكون فشلاً ذريعاً وأنه لا يمكن أن يصح إلا الصحيح والصحيح هو أن هذا النظام الذي سلم سوريا لأكثر من إحتلال راحلٌ لا محاله وأن الشعب السوري سينتصر وسيقرر مستقبل بلده بنفسه وبدون أي تدخلات خارجية .
(الراي 2016-12-22)