الإرهاب في سياقيه الاجتماعي-الاقتصادي والإقليمي
ليس الأردن خارج العالم أو خارج الإقليم المضطرب. وفي ذلك، يجب ألا يكون مفاجأة ما حدث في الأيام القليلة الماضية، وبخاصة أن مجموعة من الأحداث وقعت في أثناء العام تؤشر جميعها إلى أن الإرهاب ينتقل من الارتجال وإثارة الذعر إلى الصراع السياسي.
وبالطبع، فإن الإرهاب اليوم يلتبس فيه السياسي بالاجتماعي، وثمة أدلة حجاجية صحيحة لكل اتجاه أو مدخل في فهم الظاهرة وتطوراتها. هناك حالة من الكراهية الراسخة والقاسية؛ وهناك أيضا تطرف ديني كاسح يمكن أن يتحول بسرعة إلى عنف، ويمكن الجماعات المتطرفة من اختراق الدولة والمجتمع والإضرار بهما. وهناك أيضا، ليس بعيدا منا، صراع إقليمي ودولي واضح في سورية والعراق واليمن وليبيا.
وإذا كان الإرهاب خرقا للميثاق المنظم لحياة الدول والأفراد والمجتمعات والعلاقات اليومية الناشئة من هذا الميثاق، فإنه وفق هذا التعريف هناك خروقات كثيرة جدا ويومية لهذا الميثاق. صحيح أن الإرهاب هو خرق أكثر خطورة وظلما، لكن يجب عدم إغفال الانتهاكات اليومية والواضحة لهذا الميثاق والتي تمارسها طبقات ونخب وشركات ومصالح وفئات كثيرة واسعة.
يقوم الميثاق المنظم للعلاقات والحياة أو العقد الاجتماعي، على بناء حالة ثقة عامة. وعلى أساس هذه الثقة، يمارس الأفراد حياتهم اليومية في العمل والأسواق والعلاقات، ويسافر الناس ويتحركون في الشوارع والمطارات والمرافق، ويبيعون ويشترون ويتنافسون على الفرص والوظائف والأعمال. ولا يمكن تسيير هذه الأعمال والمصالح بغير الثقة؛ ليس من قوة أو سلطة مادية تساعدنا في اختبار الدواء والغذاء والسلع والخدمات التي نشتريها ونبيعها في الأسواق، أو تضبط حركة المركبات في الشوارع، أو تنظم تدفق الأموال بين الناس وفي البنوك والمعاملات، لكن هذه الثقة تنشئها أساسا منظومة حازمة من العدل والحريات، ولا يمكن أن تترسخ الثقة بدونهما، وفي غيابهما -وغياب الثقة بطبيعة الحال- لا يمكن بناء فكرة جامعة للدولة والمجتمعات والمواطنين، بل لن نميز بين الأصدقاء والأعداء.
هناك إجماع واضح على رفض العنف. لكنه إجماع يناقض نفسه، بل يمكن وصفه بالازدواجية عند ملاحظة التواطؤ على قبول الكراهية وانتهاك القوانين والغش في الحياة اليومية والأسواق والعمل وفي الفكر والتدين والثقافة والعلاقات، وفي المحسوبيات وغياب العدالة الحكومية في الإنفاق والتوظيف والتحصيل الضريبي والسياسات العامة. وهناك مطالبة شاملة باحترام القوانين وتطبيقها عندما يتعلق الأمر بالخوف من الإرهابيين، لكنها قاعدة (الرابطة القانونية) تنسى وتنتهك بوضوح وعلانية وفي رفض أيديولوجي أيضا عندما يتعلق الأمر بمواقف سياسية ومصالح فردية أو فئوية. نحن (الحكومة والطبقات والمصالح والجماعات والأفراد)، ننتهك القانون ولا نعترف بالرابطة القانونية في معظم المواقف والأفكار والعلاقات، لكننا نتذكر القانون عندما نرى فئة من الناس تقتل وتروع الآمنين وتعتدي على المواطنين والمرافق العامة! الميثاق الاجتماعي لن يعمل عندما نحتاج إليه إذا كنا نعطله ونحاربه عندما لا نحتاج إليه.
بالطبع، يظل الصراع السياسي والإقليمي تحديا كبيرا مستقلا عن البيئة الاجتماعية والاقتصادية. لكننا سنواجه صعوبة في بناء التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية في مواجهة خطر خارجي، وهناك سؤال محرج لنا: هل إجابة سؤال من العدو ومن الصديق هي إجابة واحدة تشكل إجماعا وطنيا أو أغلبية كاسحة، أم أننا مختلفون في الإجابة أو نتهرب منها؟
(الغد 2016-12-22)