الإرهاب في سياقيه الاجتماعي-الاقتصادي والإقليمي

تم نشره الخميس 22nd كانون الأوّل / ديسمبر 2016 12:23 صباحاً
الإرهاب في سياقيه الاجتماعي-الاقتصادي والإقليمي
ابراهيم غرايبة

ليس الأردن خارج العالم أو خارج الإقليم المضطرب. وفي ذلك، يجب ألا يكون مفاجأة ما حدث في الأيام القليلة الماضية، وبخاصة أن مجموعة من الأحداث وقعت في أثناء العام تؤشر جميعها إلى أن الإرهاب ينتقل من الارتجال وإثارة الذعر إلى الصراع السياسي.
وبالطبع، فإن الإرهاب اليوم يلتبس فيه السياسي بالاجتماعي، وثمة أدلة حجاجية صحيحة لكل اتجاه أو مدخل في فهم الظاهرة وتطوراتها. هناك حالة من الكراهية الراسخة والقاسية؛ وهناك أيضا تطرف ديني كاسح يمكن أن يتحول بسرعة إلى عنف، ويمكن الجماعات المتطرفة من اختراق الدولة والمجتمع والإضرار بهما. وهناك أيضا، ليس بعيدا منا، صراع إقليمي ودولي واضح في سورية والعراق واليمن وليبيا.
وإذا كان الإرهاب خرقا للميثاق المنظم لحياة الدول والأفراد والمجتمعات والعلاقات اليومية الناشئة من هذا الميثاق، فإنه وفق هذا التعريف هناك خروقات كثيرة جدا ويومية لهذا الميثاق. صحيح أن الإرهاب هو خرق أكثر خطورة وظلما، لكن يجب عدم إغفال الانتهاكات اليومية والواضحة لهذا الميثاق والتي تمارسها طبقات ونخب وشركات ومصالح وفئات كثيرة واسعة.
يقوم الميثاق المنظم للعلاقات والحياة أو العقد الاجتماعي، على بناء حالة ثقة عامة. وعلى أساس هذه الثقة، يمارس الأفراد حياتهم اليومية في العمل والأسواق والعلاقات، ويسافر الناس ويتحركون في الشوارع والمطارات والمرافق، ويبيعون ويشترون ويتنافسون على الفرص والوظائف والأعمال. ولا يمكن تسيير هذه الأعمال والمصالح بغير الثقة؛ ليس من قوة أو سلطة مادية تساعدنا في اختبار الدواء والغذاء والسلع والخدمات التي نشتريها ونبيعها في الأسواق، أو تضبط حركة المركبات في الشوارع، أو تنظم تدفق الأموال بين الناس وفي البنوك والمعاملات، لكن هذه الثقة تنشئها أساسا منظومة حازمة من العدل والحريات، ولا يمكن أن تترسخ الثقة بدونهما، وفي غيابهما -وغياب الثقة بطبيعة الحال- لا يمكن بناء فكرة جامعة للدولة والمجتمعات والمواطنين، بل لن نميز بين الأصدقاء والأعداء.
هناك إجماع واضح على رفض العنف. لكنه إجماع يناقض نفسه، بل يمكن وصفه بالازدواجية عند ملاحظة التواطؤ على قبول الكراهية وانتهاك القوانين والغش في الحياة اليومية والأسواق والعمل وفي الفكر والتدين والثقافة والعلاقات، وفي المحسوبيات وغياب العدالة الحكومية في الإنفاق والتوظيف والتحصيل الضريبي والسياسات العامة. وهناك مطالبة شاملة باحترام القوانين وتطبيقها عندما يتعلق الأمر بالخوف من الإرهابيين، لكنها قاعدة (الرابطة القانونية) تنسى وتنتهك بوضوح وعلانية وفي رفض أيديولوجي أيضا عندما يتعلق الأمر بمواقف سياسية ومصالح فردية أو فئوية. نحن (الحكومة والطبقات والمصالح والجماعات والأفراد)، ننتهك القانون ولا نعترف بالرابطة القانونية في معظم المواقف والأفكار والعلاقات، لكننا نتذكر القانون عندما نرى فئة من الناس تقتل وتروع الآمنين وتعتدي على المواطنين والمرافق العامة! الميثاق الاجتماعي لن يعمل عندما نحتاج إليه إذا كنا نعطله ونحاربه عندما لا نحتاج إليه.
بالطبع، يظل الصراع السياسي والإقليمي تحديا كبيرا مستقلا عن البيئة الاجتماعية والاقتصادية. لكننا سنواجه صعوبة في بناء التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية في مواجهة خطر خارجي، وهناك سؤال محرج لنا: هل إجابة سؤال من العدو ومن الصديق هي إجابة واحدة تشكل إجماعا وطنيا أو أغلبية كاسحة، أم أننا مختلفون في الإجابة أو نتهرب منها؟

(الغد 2016-12-22)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات