في درس الجرح الكركي البليغ
لم ينم أيّ منّا أربعة أيام متتالية، ولم يكن للكتابة فيها من جدوى، ففي عزّ الجرح الكركي الأوّل كنّا نقف مشدوهين غير قادرين على تصديق ما يجري أمام عيوننا، وما إن ظننا أنّه بدأ يطبّب نفسه حتى فُتح ثانية على شهداء جدد، ليتوسّع ويتوسّع حتى شمل الوطن الأردني كلّه.
ولم نكن نعيش وهم أنّنا بعيدون عمّا يجري حولنا، وكلّنا توقّعنا أن يشملنا العنف المجنون بشيء ولو يسير من ظلاله، ولكنّ الضربة الموجعة تأتي في غير تحسّب المكان والزمان، وعلينا أن نعترف بأنّ الكرك لم تكن ضمن توقّعاتنا، ولهذا فقد كان الألم كبيراً، والأذى فادحاً، ومع ذلك فالدرس كان بليغاً.
كلّ ذلك يعني أنّنا مررنا باختبار اضطراري، جرّبنا خلاله أنفسنا، أفراداً ومجموعات ومؤسسات، وصحيح أنّ شيئاً من الفوضى ترافقت مع تعامل الجميع مع الحدث المُفجع الطارئ، ولكنّها كانت فوضى إيجابية، وفي محصلتها النهائية ظلّت منظمّة، لأنّ العنوان بقي كما هو: الوطن الأردني الواحد الموحّد، ولعلّ المطلوب كان أن تخرج إعلانات مناقضة، كما جرى عند غيرنا.
الكرك خاصرة الأردن، ومُختصر جملته، وقلعته المنيعة، وقد أثبتت خلال الامتحان الصعب أنّها ستظلّ كذلك، فعلى ترابها سالت دماء طيّبة زكيّة تمثّل كلّ جغرافيا أرضنا، وجميع أنحاء وعشائر وقبائل وعائلات الوطن، ومنها خرجت الجنازات التي رفعت علماً واحداً، وردّدت شعاراً واحداً: كلّنا فداء للأردن.
(السبيل 2016-12-22)