مهمة إنقاذ
كيف نواجه التطرف والإرهاب؟
سؤال مهم، وإن كنتُ قد أجبت عنه في مقالات سابقة عديدة في الحديث عن مواجهة التطرف والإرهاب. وطوّرتُ ذلك بمشاركة وزير الداخلية الأسبق حسين المجالي، في ورقة نُشرت في الإعلام عن مواجهة التطرف والإرهاب.
في تلك الورقة، أشرنا إلى ما سميناه "المقاربة المتكاملة"، والتي تقوم على ضرورة توزيع الجهود وتكاملها بين المؤسسات المختلفة. وهي فكرة بدأت "الدولة" نظرياً في تطبيقها، لكن عملياً لم ينتج شيء. إذ تم تأسيس وزارة للشباب، ووحدة مكافحة التطرف لتنسيق الجهود، واتخاذ خطوات في الجانب الثقافي. إلا أن المشكلة الجوهرية في هذا الملف، وأغلب السياسات الرسمية، هي أنّ كل مؤسسة أو وزارة تعمل وكأنّها في "جزيرة معزولة"؛ فلا يوجد تعاون ولا تنسيق بين هذه الجهات، بصورة حقيقية وفاعلة، وليتغلّب طابع المنافسة والندية والمزاحمة على مفهوم "العمل كفريق".
الجهود الحالية –على الصعيد الثقافي- يغلب عليها الطابع الصوري-السطحي، من دون أن تدخل إلى العمق؛ بمعنى كم من المؤتمرات والندوات والفعاليات التي أقيمت في الجامعات والمنتديات تحت عنوان "مكافحة التطرف والإرهاب"؟ ما هو تأثيرها وأثرها في تحصين الشباب أو التأثير على المنخرطين في هذا المجال؟ أكاد أزعم أنّ النتيجة هي "صفر مربع"!
قبل هذا وذاك، من الضروري أن تكون هناك قناعة لدى "مطبخ القرار" والمعنيين، بالتكامل وروح الفريق وتوزيع المهمات، وبناء مسارين متوازيين متكافئين؛ الأول مدني والثاني أمني، وربما مسار ثالث لا يقل أهمية، هو قانوني-حقوقي. من دون ذلك، ومع اقتصار تعريف ما يحدث على "الحقل الأمني"، فإنّنا لن نتقدم خطوة واحدة في مكافحة هذه الحالة ومحاصرتها، والانتقال إلى موقع الهجوم لا الدفاع.
يرتبط بهذا وذاك، إعادة تعريف الظاهرة نفسها. فنحن نتحدث عن ظاهرة مركّبة من شقين رئيسين؛ الأول اجتماعي-سياسي، والثاني ديني-ثقافي/ أيديولوجي. ولا بد من التعامل مع كليهما. على الصعيد الأول، من المهم ألا نتعامل مع موضوع الشباب بمعزل عن الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية، ما يعني أنّ القصة ليست فقط "ملء وقت الفراغ" لديهم، بل هي توفير الظروف السياسية والاجتماعية، والمناخات المناسبة، لنمو ثقافة الاعتدال لا ثقافة التطرف. وهذه القضية على المدى البعيد بطبيعة الحال، لكن من المهم إدراكها، وفهمها، وتدشين المسار البديل لحماية الشباب. وهناك، بالطبع، أهمية بناء المجال العام الذي تم تهميشه وتحطيمه خلال العقود الماضية؛ الأنشطة الجامعية اللامنهجية، وفي المدارس، وتعزيز دور المجتمع المدني ودوره في دمج الشباب، وتقوية الأندية الرياضية والشبابية... إلخ.
أما على الجانب الديني-الثقافي، فالمطلوب ليس تحجيم حضور الدين وأهميته في عقل الشباب، وفي النسبة المئوية من المناهج الدراسية، فهذه الاستراتيجية تأتي بنتائج عكسية أولاً، وثانياً هي أقرب إلى تغميس خارج الصحن. بل من الضرروي أن يتم تعزيز روافد التنوير والخطاب الإسلامي المعتدل، وتقوية الفهم المعاصر للإسلام، وصناعة الرموز الدينية الوطنية المستقلة، سواء عبر توليد مفهوم استقلالية المؤسسات الدينية الرسمية ومصداقيتها واحترامها، أو الحوار مع "الإسلام المعتدل" ومنحه الفرص والمنابر الإعلامية والسياسية.
أخيراً، وهذا على درجة كبيرة جداً من الأهمية؛ إعادة النظر في استراتيجية التعامل مع المنخرطين في هذه النشاطات، وتصنيفهم إلى طبقات وفئات، وفتح ما أسميته في مقالة سابقة "Exit Point" (منفذاً) لهم، ليتمكنوا من استعادة حياتهم والخروج من حبائل الثقافة المتطرفة.
التطرف والإرهاب والعنف، منظومة مفاهيمية مرتبطة بالإحباط وخيبة الأمل والعدمية والجمود الديني. ما يعني أنّنا أمام مهمة تاريخية طويلة وممتدة، لكنها "مهمة إنقاذ" للجيل المقبل وللمجتمعات لا بد منها.
(الغد 2016-12-23)