التناغم التركي-الروسي-الإيراني
حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عن أن نتائج جولات محادثات جنيف فشلت في السابق بسبب مواقف المعارضة السورية، يعني أن الجولة/ الجولات المقبلة من هذه المحادثات ينبغي أن تكون على أسس جديدة، وفق التقييم الروسي؛ حتى لا يكون مصيرها كسابقاتها. وقد دعا الوسيط الأممي ستافان دي ميستورا إلى جولة جديدة في جنيف في الثامن من شباط (فبراير) المقبل، سوف تُهيِئ لها جولة ذكر لافروف أنّ كازاخستان مستعدة لاستضافتها بين الحكومة السورية والمعارضة. ولعل في هذا مؤشرا إلى تصاعد أسهم الاستانة في تقريب وجهات النظر الروسية-التركية، بعدما أسهمت كازاخستان في المصالحة بين بوتين وأردوغان عقب أزمة إسقاط طائرة "سوخوي 24" في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، وبعد استضافة الاستانة سابقاً جولتي محادثات للمعارضة السورية بتنسيق مع أنقرة؛ برغم رفض النظام لتلك المحادثات وقتها. والواضح اليوم بعد "إعلان موسكو" الذي تمخض عن اجتماعات تركيا وإيران وروسيا، أنّ الأخيرة في طور التأسيس لتفاهمات بين الأطراف الثلاثة تتجه لتحقيق جملة من الأهداف منها:
أولاً: تعميم الهدنات في المناطق المختلفة في سورية لتهيئة الظروف لحلول سياسية، أو تأسيس مقدمات أولية تدفع نحو تسوية ما بين النظام والمعارضة من دون "داعش" و"النصرة". وهذا يعني تقليصا في زخم العمليات الروسية.
ثانياً: إعادة ترتيب المشهد بين هذه "الترويكا" نحو العمل باتجاه تحديد ملامح المرحلة المقبلة؛ من خلال التناغم حول رفض إقامة كيان كردي مستقل في سورية، وتفعيل العمل المشترك ضد الإرهاب، ولا سيما أن حادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة تضغط على الأخيرة للتخفف من أعباء هذا الحادث باتجاه التفاهم مع موسكو على مسألة مكافحة الإرهاب. وقد يعني هذا، وفق من يتهمون أنقرة بدعم "جبهة النصرة"، إزالة الغطاء كاملاً عن التنظيم. وليس معروفاً، من جانب آخر، ما إذا كانت أنقرة ستصرّ على مطلبها الذي أبدته عقب المحادثات الثلاثية، والمتمثل بوجوب وقف الدعم عن المجموعات الإرهابية التي تقاتل أيضاً إلى جانب نظام الأسد، ومنها حزب الله (المدعوم إيرانياً).
ثالثاً: للوهلة الأولى، قد يستعجل البعض بالقول إن ثمة سعياً من قبل الدول الثلاث الموقعة على "بيان موسكو" لاحتكار أمر أي تسوية في سورية وإقصاء أي أطراف دولية أو إقليمية أخرى. لكنّ إبلاغ أميركا بما جرى بين الدول الثلاث، وحديث واشنطن أن لا أحد يستطيع تهميش إمكانات نفوذها في سورية، إنما يعني أن روسيا تؤسس لصيغة ثلاثية (لن تحسم المسألة السورية الآن بالتأكيد)، ستكون مقدمة للتوافق عليها في نسختها الأخيرة بين ترامب وبوتين، وهما أهم ضامنين لتسوية مستدامة.
في سياق هذه الدينامية، ستكون مسألة الضمانات هي العنصر الأساسي في إحداث أي اختراق، وذلك من خلال إقناع موسكو النظام وإيران بوقف الحلول العسكرية وتقديم تنازلات، وهو ما يفترض أن تفعله أنقرة مع المعارضة. وستبقى العقدة مصير الأسد وماهية المرحلة الانتقالية، واللتين تمّ تجاهلهما في محادثات موسكو. والواضح أنّ أوروبا ليست بعيدة من هذه التفاعلات؛ يؤشر إلى ذلك كلام مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني عن "شراكة مع العالم العربي باتجاه عملية انتقالية تكون ركيزة للسلام وإعادة الإعمار في سورية". لكن بعض تحديات هذه الصيغة تكمن في غموض المقاربة الأميركية حيال سورية في عهد ترامب، وفي مدى قدرة موسكو على إقناع نظام الأسد وإيران في وقف عمليات القتل والتهجير والقبول بمشاركة حقيقية للمعارضة في السلطة. كما تكمن أيضاً في مدى قدرة أنقرة على تجاوز معضلة من يمثّل المعارضة وينطق باسمها في أي محادثات واسعة محتملة، وهو قرار لا تحتكره أنقرة وحدها.
(الغد2016-12-23)