هدر في الوقت والموارد.. والإنسان
يتحرك في البلاد كل يوم خمسة ملايين إنسان (ثلثاهم في عمّان)، يذهبون الى أعمالهم ومدارسهم، ثم يعودون إلى بيوتهم. وكل دقيقة يمكن توفيرها مما يهدَر في الذهاب والإياب؛ التأخير والانتظار وطول المسافة، تعني وفرا قيمته ربع مليون دينار على الأقل، إذا اعتبرنا أن ساعة المواطن تساوي دينارين ونصف الدينار. أظن أننا بتوفير ساعة يوميا من الزمن المبذول في النقل، إنما نوفر ألف مليون دينار سنويا بدل الوقود اللازم لهذا النقل، وخمسة آلاف مليون دينار أخرى بدل الزمن المهدور والممكن توظيفه في زيادة الانتاج. وإذا فكرنا في متوالية الوفر في الصحة وتخفيض الحوادث وزيادة الكفاءة والرضا، فإنه يمكن القول إننا يمكن أن نزيد الناتج المحلي بتخفيض الهدر في الزمن ساعة يوميا، بما يعادل ستة آلاف مليون دينار سنويا. وفي المقابل، يمكن القول إننا نهدر عُشر الناتج المحلي بسبب الهدر في النقل والزمن المبذول.
وإذا تحدثنا عن تفعيل الرعاية الصحية وإجراءات السلامة في العمل والصحة والحياة اليومية، فيمكن أيضا أن نقدر الوفر/ الهدر الناشئ عن ضعف الأداء والإنتاج والتغيب عن العمل بسبب ضعف الصحة والمرض، وتكاليف العلاج والدواء الممكن تلافيها، وحوادث المرور وما تتبعها من خسائر في الأرواح وإصابات في الناس وإتلاف للممتلكات، وهدر لأوقات الناس، وضغوط على إدارة السير والطرق والتأمين، وتعطيل المصالح والأعمال، بحوالي ملياري دينار تهدر سنويا أو يمكن توفيرها بإجراءات في الصحة والسلامة لا تكلف عشر هذا المبلغ!
هناك متواليات غير منتهية في الإنجاز أو الفشل يمكن ملاحظتها في إدارة الهدر؛ رأس المال الهائل غير المنظور الناشئ عن توفير الوقت واستخدامه في أعمال وإنجازات كثيرة، أو بسبب الصحة الجيدة أو إجراءات السلامة في الطرق والعمل والحياة. ونقرأ كل يوم عن الوفيات والإصابات بسبب حوادث المرور أو العمل، أو في البيوت والحياة اليومية بسبب التدفئة أو الكهرباء أو الغرق أو التسمم، أو عدم الانتباه للأطفال.
وبالنظر إلى الإرهاب كـ"هدر"، يمكن التقدير لنزف هائل في حياة الناس ومواردهم، بدءا بالقتل بما هو متوالية للهدر والإضرار البليغ بحياة الناس وأعمالهم ومواردهم قد يمتد إلى عدة أجيال، وزيادة الإنفاق في المال والوقت على إجراءات الأمن في المؤسسات والأسواق والمرافق والطرق، وأسوأ من ذلك تدمير منظومة الثقة التي تقوم عليها حياة الناس وعلاقاتهم، وتنشأ حولها أعمال ومصالح كثيرة ومعقدة، فيما تنشأ في غيابها متوالية من الإنفاق والجهود تزيد العبء والخسائر.
المسألة هي تقدير الحياة الكريمة، ففي وجود هذه الفلسفة حاكمة للسلوك الفردي والشخصي والاجتماعي، كما التخطيط والسياسات العامة والأسواق والشركات وإنتاج السلع والخدمات، يتحقق الوفر والازدهار والسلام. لا نملك لمواجهة الإرهاب والهدر سوى بناء منظومة حب الحياة وتقديرها. وهي تبدو فكرة بسيطة، لكنها ممتدة ومؤثرة في كل شؤون الحياة والموارد والأعمال والتعليم والتنشئة والعلاقات والتنظيم السياسي والاجتماعي.
ما من تقدم أو سلام من غير فكر وفلسفة تحسين الحياة. وما الحضارة والتقدم الإنساني سوى تحسين الحياة... أن نتعلم كيف نعيش!
(الغد 2016-12-24)