عن تقسيم سورية أو وحدتها

تم نشره الجمعة 30 كانون الأوّل / ديسمبر 2016 12:24 صباحاً
عن تقسيم سورية أو وحدتها
محمد برهومه

حديث وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت، عن أنّ احتمالات تقسيم سورية تلوح في الأفق، يقود إلى الحديث عن تداعيات ذلك، وعن المستفيدين من هكذا سيناريو. وهو ما أشار إليه الوزير بالقول إن "سورية المفيدة"، التي تشمل غرب البلاد والمنطقة الممتدة من حلب إلى دمشق ومنطقة اللاذقية الساحلية ومدينة حمص، ستكون تحت سيطرة النظام، في مقابل وجود "داعشستان" تحت سيطرة "داعش". بمعنى آخر، فإنّ "داعش"، في ظل المنبوذية المحلية والإقليمية والدولية التي يعانيها، يفضّل خيار التقسيم الذي قد يوفر له بناء "كانتون" يمارس عليه السلطة والنفوذ والأيديولوجيا. وهذه الأخيرة، وبالشكل الذي يتبناه التنظيم الإرهابي، غير معنية بفكرة الوطن أو سيادة الدول وحدودها واعتبارات مكوناتها ومصالحهم.
والواقع أنه لو سُئل الفاعلون المحليون والإقليميون والدوليون في سورية عن رأيهم بشأن "سورية الجديدة"، فستكون الأرجحية لمن يؤيدون أن تظل سورية موحدة ولا تُقسّم. لكنّ الأسئلة الكبيرة تتعلق بـ"كيفية الحفاظ على وحدة سورية وسيادتها" و"ضمان الحفاظ على المؤسسات الحكومية بما فيها القوات العسكرية والأمنية مع إصلاحها في شكل كامل، وبحيث تعمل تحت قيادة مدنية يختارها الشعب السوري وتكون مسؤولة أمامه"، كما جاء في وثيقة رسمية أوروبية. وربما تكون إسرائيل وحدها من يفضّل سورية مقسّمة على سورية موحدة؛ لأنّ ذلك قد يمنحها غطاء شرعياً لفكرة الدولة اليهودية، كخيار قومي-ديني ضيق يتمثّل "الغيتو"، أسوة بدويلة علوية أو كردية مفترضتين، مع أنّ من يعترض على هذا التحليل يذهب إلى أنّ سورية موحدة حكمها الأسد الأب والابن كانت "بلا خطر جدي" على إسرائيل طيلة عقود، إلا إذا قدّرتْ تل أبيب أنّ أي سورية موحدة اليوم تحت حكم الأسد لن تكون كما كانت طيلة عقود؛ بخاصة في ظل اختراق طهران-الضاحية الجنوبية للمؤسسات السياسية والأمنية السورية وإمساكهما بالثقل الأكبر على الأرض في مناطق "سورية المفيدة".
والمرجح أنّ إيران قد تكون في دائرة من يجد مصالحه في سورية مقسّمة (مفيدة) من شأنها تسويغ السياسات الطائفية والتعبئة المذهبية والتحشيد الأيديولوجي؛ الذي قد يجد من الأولى لمصالحه ضمان تواصل المصالح الإيرانية على مسارين: الأول، يكمن في الطموح إلى تواصل النفوذ الجغرافي على خط العراق-سورية-بيروت، وضمان موطئ قدم إيراني في المتوسط. والثاني، على خط بيروت-سورية المفيدة، مع أنّ أكلاف المسار الأخير ستكون عالية جداً على "حزب الله"، وهي نقطة قد تكشف عن عدم مطابقة في التقدير بين الضاحية وطهران، لكن ليس بمقدور الحزب الإعلان عن أي طيف استقلالي في قراره في هذا السياق، وهو، على الغالب، سيتجه وفق هكذا سيناريو إلى مزيد من "العسكرة" داخل لبنان وعلى الحدود مع سورية لضمان مصالحه ومكتسباته، ما سيستنزفه على المدى البعيد، وسيجعله على المدى المتوسط يصطدم بالفرقاء المحليين، على وقْع العسكرة والقضم المتصاعد من سلطة لبنان الرسمي والأطراف الداخلية الأخرى.
وإذا كانت الوثيقة الأوروبية اشترطت أن يكون الاتفاق بين الفاعلين في سورية على مسار انتقال سياسي يحظى بموافقتهم والتزامهم الكامل، كيلا يكون هشاً أو غير مستدام، فإنها وجدتْ أن ركائز هكذا اتفاق ينبغي أن تتأسس على اللامركزية أو تفويض السلطات، والمصالحة، وصولاً إلى إعادة الإعمار.
اللامركزية تعني في الغرب الحكم الرشيد؛ أي مؤسسات وطنية ذات أداء جيّد، ولذا فالفدرالية أو اللامركزية تقدّم "طريقاً واعدة" في سورية وليبيا واليمن تفوق في إيجابياتها الحديث عن وحدة قسرية انفجرت منذ ست سنوات على شكل حروب أهلية، كما يفوق الحديث عن تقسيم ناجم ليس في الحقيقة عن تفاهمات وتوازنات عقلانية ومدروسة، وإنما عن عدم معالجة ذاك الانفجار... أو ستر سوءاته!

الغد 2016-12-30



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات