مجزرة اسطنبول.. وساعة الحقيقة في تركيا.!
في لحظة واحدة، أسفر انفجار الكراهية عن بقعة ضوء ودم، وسقوط مجموعة من ضحايا الفرح والبهجة في اسطنبول ليلة العام الجديد، لأن الوحوش لا تحب سوى المذابح، ولا تنام الا على سماع تراتيل الموت وانين الضحايا، كانوا بحاجة الى مزيد من العتمة لسفك مزيد من الدم النازف من جرح أصابنا بوجع وحزن.
العملية الارهابية في اسطنبول حطمت كل المعايير والقيم الأخلاقية والانسانية والحضارية، وأكدت أنه ليس في وسع الوعي التركي ان ينجو من قسوة الدم ومرارة التجربة، لأن أنقرة ما زالت حاضنة المسلحين وممرهم ومقرهم، ولأن الاسفاف في الخطاب السياسي والاعلامي الرسمي، بلغ ذروته ومداه، كما فتحت حدودها مشرعة أمام المسلحين القادمين من مشارق الأرض ومغاربها، للتسلل الى سوريا من أجل التخريب واشعال الحرائق. لذلك قد يكون القاتل في معسكرات التدريب داخل تركيا، أو في أنفاق وخنادق الاشتباك في المناطق التي يسيطر عليها الارهابيون في الشمال السوري.
منذ بداية «الربيع « الذي أنعش الذاكرة العثمانية، وبعث شهوة العودة الى البدايات، فتحت تركيا معسكراتها وحدودها، أمام طوفان « الجهاديين «، ورغم ذلك وجدنا صعوبة قصوى في فهم هذا الموقف في بداية الأمر، كما وجدنا صعوبة في فهم شراسة العداء التركي لسوريا الذي تحول الى مشروع سياسي رسمي، حتى ظهرت النوايا والأهداف واضحة، حيث بينت أن حكومة انقرة تريد حصتها من الغنائم في حال نجح مشروع التقسيم، عسكريا أو سياسيا.
ولكن الأحداث في تسارعها وتطوراتها، في الداخل والخارج، وضعت القيادة في انقرة امام ساعة الحقيقة، على الرغم من نجاح الرئيس اردوغان في عملية اعادة تركيب الصورة في بيته الداخلي كما يريده ويشتهيه، بتجاوز الديمقراطية وتنظيف بيت النظام من هواجسه السياسية والعسكرية (غول واوغلو وكبار الضباط وقادة المعارضة)، والامساك بكل خيوط وخطوط السلطة، معتقدا أن الزمن يعمل لصالحه، دون أن يدرك أن بقفزته هذه اقترب كثيرا من لحظة الارتطام في الداخل والخارج.
في الفصل الأخير من المشهد اكتشف الرئيس أردوغان أن معركة حلب كسرت موجات التغلغل العسكري والسياسي التركي في سوريا، كما اكتشف وجود ثغرة تفصل بين وهم الأمر الواقع وبين الواقع المتغير، وان النتائج هي عكس ما توقع، خصوصا بعد التراجع الاقتصادي، وتراجع سعر صرف الليرة التركية، وانتشار اعمال العنف والقتل والارهاب، وتخريب السياحة. كل ذلك ادى الى ارتفاع نسبة البطالة وزيادة أعداد المتضررين الناقمين، اضافة الى انفراد حزب العدالة والتنمية في ممارسة السلطة، على قاعدة عرقية ومذهبية.
أمام هذا الواقع المتغير، وجد اردوغان نفسه غير قادر على مواصلة اللعب على الحبل السياسي الداخلي والاقليمي والدولي في وقت واحد، فانهى خلافاته مع الاسرائيليين، وطبع علاقاته مع موسكو، بل تحول الى حليف، الى حد ما، وأظهر حسن النوايا لطهران، من اجل حجزمقعده حول طاولة المفاوضات الجديدة، ومشاركته في الحرب السياسية، بعد اشراكه في المفاوضات التي توصلت الى وقف القتال في سوريا. وهو التوافق الذي يشوبه الكثير من الالتباس، بسبب تشابك التنظيمات وتداخل ساحات القتال.
في النهاية نقول ان العملية الارهابية في اسطنبول، وما سبقها من جرائم، وضعت تركيا في دائرة الضوء، فتبين أن حدودها ما زالت مشرعة امام المسلحين، وفنادقها مزدحمة بالمعارضين المسلحين والسياسيين، من الناشطين ضد سوريا ومصر وليبيا وتونس. وقد يعتقد الرئيس التركي أن وقف القتال سينقذ التنظيمات المسلحة، وتمكينها من استمرار القتل بهدوء، بلا شاهد أو مشهد، وخارج الزمن.
الراي 2017-01-05