امتحان الثانوية العامة ومأزق التعليم
تكشف محاولات إصلاح الثانوية العامة عن متواليات معقدة ومتداخلة من التحديات والأزمات. وهي مشكلات لا تتصل بالثانوية العامة، بقدر علاقتها بمنظومة التعليم والعمل والتحولات الكبرى المحيطة والمؤثرة. فقد أظهرت السياسات الحازمة في ضبط امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي" مجموعة كبيرة من الأزمات تفوق مشكلة الثانوية نفسها؛ مستوى الكفاءة والمهارات المتدني والذي كان يغطى عليه بالغشّ، وأزمة الجامعات التي توسعت كثيرا على أساس الأعداد الكبيرة من الطلبة الناجحين، ليتبين أن عدد الطلبة الذين يستحقون الدخول إلى الجامعة أقل بكثير من القدرة الاستيعابية للجامعات، ما جعلها في مواجهة أزمة تهددها بالإغلاق أو التخفيض في عدد الطلبة وفي الأقسام والكليات.
هكذا فقد أصبحنا أمام خيارات معظمها غير إصلاحية: تخفيض مستوى امتحان "التوجيهي" لتمكين أكبر عدد من الطلبة من النجاح، ثم إنقاذ الجامعات بدلا من مراجعة سياسات التعليم المدرسي والجامعي! واقتصار أسئلة الامتحانات على الكتب المدرسية، إقرارا بالأمر الواقع في عدم قدرة الطلبة على الإبداع والاستنتاج، بل وتحويل اختبارات الاستنتاج إلى مخالفة، وحذف الأسئلة التي يتبين أنها من خارج الكتاب المدرسي! بدلا من مراجعة السياسات التعليمية والاجتماعية لأجل الارتقاء بمستوى التعليم والتوسع في الإبداع والمهارات المعرفية والحياتية والعامة، ومراجعة واقع الجامعات لأجل إعادتها إلى سكة الانسجام مع متطلبات العمل والتفوق والقدرة على تلبية احتياجات الأسواق الجديدة في العمل والدخول في المنافسة والمشاركة على الفرص المتاحة في الوطن وفي الخارج أيضا، وبناء اتجاهات اجتماعية جديدة نحو المبادرات والمشروعات في العمل والسوق والتدريب الحرفي المتقدم خارج الجامعات والمدارس.
لقد دخلنا في جدل طويل بعيدا عن جوهر المشكلة، وشغلنا لأجل تعديلات لا تغير في مستوى التعليم والمهارات، ولا يفيد شيئا الإبقاء عليها، برغم أن كل من يقدر أن يرسل أبناءه إلى مدارس خاصة لا تلتزم بالمنهاج أو تضيف إليه مناهج أخرى، لا يتردد في ذلك حتى وهو يعارض لأجل أفكار يظنها انتصارا للدين أو أمر الله بها. وهناك أيضا آلاف الطلبة الذين يدرسون في برامج أجنبية تديرها عشرات المدارس في عمان والأردن. حسنا، إذا كانت البرامج الأجنبية فكرة ناجحة ومقبولة وتلاقي رغبة وإقبالا من المواطنين، فلماذا لا تقتبس التجربة وتعمم في جميع مدارس المملكة، ويضاف إليها ما نعتقد أنه ينقصها؟ وفي ذلك نقلل الهدر والحيرة، فلا نحتاج سوى اقتباس تجارب تبدو ناجحة ومطبقة بنجاح في الأردن وفي العالم.
الحال أن التعليم ليس في خير، ولم يكن في خير في يوم من الأيام، بل إنه في السنوات الأخيرة أقل سوءا مما كان عليه من قبل. لكن ثمة تحديات جديدة تكشف الأزمة في التعليم، ليس لأنها أزمة جديدة لم تكن موجودة، لكن لأنها كانت مجهولة أو يجري تجاهلها.
الغد 2017-01-05