هل اقتربت معركة «الحساب الأخير».. في إدلب؟
أعاد وزير المصالحة السوري علي حيدر, وهو رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي في سوريا، بتصريحه المفاجئ وغير العادي في ظل الحديث المتصاعد عن تحضيرات «جدّية» جارية لانعقاد الجولة الاولى لمحادثات استانا، في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، «عن استعداد الجيش السوري (لمعركة مفتوحة) ضد المعارضة في محافظة إدلب».. خلط الاوراق على الساحة السورية وفي العواصم ذات الصلة، وبخاصة في ظل الجدل المحتدم بين انقرة وطهران حول وقف اطلاق النار والاتهامات المتبادلة بالوقوف خلف هذا التصعيد في الخروقات, وبروز امكانية ماثلة بتدهور العلاقات بينهما، على نحو يُهدّد انعقاد مؤتمر استانا او تأجيله الى وقت غير محدذد, وربما يفتح «مباشرة» الطريق الى «جنيف», ما يعني عودة «أطراف» اخرى الى دائرة التأثير, وعدم السماح لأنقرة بأن تكون ضامناً «وحيداً» للمعارضة، فيما تبقى موسكو على موقفها في ضمان الحكومة السورية, وإن كان لا يُعرَف حتى الان, الموقف «المُعلن» الذي ستتخذه, إذا ما تصاعدت حدة التوتر بين تركيا وايران, وإذا ما تواصلت التفسيرات المُغرِضة بل والرغائبية, التي تتولى اطراف عربية, دبلوماسية وإعلامية بثها والترويج لها, حول مغزى قرار موسكو إعادة قوّتها البحرية الضاربة الى قواعدها السابقة, وبخاصة ان هؤلاء يتجاهلون حقيقة ان مهمة هذه القوة, وفي مقدمتها حاملة الطائرات الاميرال كوزنتسوف والطرّاد النووي بطرس الاكبر وما يرافقهما من قطع بحرية, قد انتهت بتحرير حلب, ولم يعد ثمة حاجة لبقائها, في ظل الوجود العسكري الروسي وبخاصة القوات الجوية الفضائية القادرة على تأمين الحماية لقاعدتي حميميم وطرطوس, وايضاً تقديم الدعم للجيش السوري في مواجهة الجماعات الارهابية.
هنا تحضر أيضاً, السرعة التي جاءت عليها ردود الفعل لدى المعارضات السورية المُسلحة وايضاً لدى رئيس الدبلوماسية التركية جاويش اوغلو على تصريح وزير المصالحة السوري حول معركة ادلب المحتملة, عندما قال في انفعال وتخوّف كبيرين:»... سعي النظام للسيطرة على ادلب, سيؤدي لانتشار الفوضى من جديد»، فيما تولى ناطق باسم ما يسمى الجيش الحر النطق باسم الجانب الروسي عندما زعم – بِثِقة – ان روسيا» لن تُشكِّل غطاء للنظام وايران في هجومهما على إدلب».
ما يعني ايضا: ان هناك من بدأ يتوقع خطوة كهذه من قبل الجيش العربي السوري, وهي ستكون خطوة مؤكدة – طال الزمن الدبلوماسي والتفاوضي ام قَصُر – لان دمشق لن تكون قادرة على الاستمرار في الصمت الى ان تتحول إدلب, الى «إمارة» للتآمر والإرهاب والتخريب وتكون موطئ قدم للتدخل التركي وباقي اجهزة الاستخبارات الغربية والعربية، إلاّ انه ايضا من الصحيح القول: ان الطريق الى استانا لم تعد مُعبّدة او مؤكدة, كما كانت التوقعات قد سادت بعد الثلاثين من كانون الاول الماضي, عند الاتفاق على وقف اطلاق النار, والتي رأت فيها دمشق «الان» وعلى لسان وزير المصالحة بـ»انها (اي الاستانا).. تعبير عن نوايا ايجابية ولم تترجم هذه النوايا الى افعال حقيقية»، فيما يستطرد الوزير السوري نفسه: انه «بعد حلب.. لم يُنجَز الحساب الاخير».
إدلب اذاً.. حساب اخير يجب انهاؤه, وتبقى مسألة «البدء به» غامضة او هي في طور الإعداد, فيما الاسئلة ما تزال بلا اجوبة, ومنها السؤال الاكبر وهو ما إذا كانت معركة ادلب ستسبق انعقاد الجولة في استانا؟ ام انها ستندلع مباشرة بعد «تعثّر» انعقاد استانا, نظراً لخلافات بين المعارضات؟ ومن سيقود الوفود المعارضة؟ وهل سيُدعى ائتلاف الرياض وهيئة رياض حجاب؟ ام ان الغلبة والكلمة «الاخيرة» ستكون للفصائل السبعة الموقعة على اتفاق الهدنة؟ وكيف سيكون ردّ العواصم الاقليمية وخصوصاً العربية منها, اذا ما جاء «الفيتو» الايراني على حضورها «لاحقاً» بعد الجولة الاولى الافتتاحية.
ألغام وتعقيدات كثيرة ستسبق انطلاق جولات استانا, وهي بالمناسبة, ستبدأ, إذا ما انعقدت, ثلاثة ايام بعد تنصيب ترامب, وربما سيكون لواشنطن «الجمهورِّية» وفدها على طاولة استانا, وقد يتغير السيناريو المُعَد روسِّياً وتركِّياً إذا ما طلبت ادارة ترامب تأجيل «المؤتمر», ليتسنى لها حضوره او البحث عن صيغة اخرى, وبخاصة ان طهران ستكون تحت النيران الاميركية فضلاً عن تلك التركية, حيث الاخيرة ما تزال تُبدي «شراسة» وشعوراً متزايداً بفائض القوة, بعد ان حجزت لنفسها مقعداً متقدماً في الازمة السورية واخذت علاقاتها مع موسكو تزداد دفئاً وحرارة وربما تنطوي على ما هو ابعد من ذلك, واحتمال ارتقائها الى ما يشبه الشراكة الاستراتيجية «الشاملة» في موضوعات شتى, ستكون في صلبها بالطبع الازمة السورية، التي لا تقل اهمية بينهما, عن ملفات الغاز ومشروع انابيب السيل التركي والسياحة والتجارة.
هذا لا يعني ان تركيا في وضع «ممتاز» او انها خرجت من ازماتها المحتدمة, بعد ان وقعت تحت نيران «حلفائِها وصنائِعها» من الارهابيين, الذين بدأوا بنشر الفوضى والقتل فيها, والتي ترجمها نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء والمتحدث باسم الحكومة التركية في عبارة اقرب الى «زلة لسان» خطيرة, ما لبث ان تراجع عنها, مُتّهِماً الصحافة بتحريفها وتأويلها, علماً ان الذي نقل عبارته هذه, هي صحيفة «حرييت» المؤيدة بشدة لأردوغان وسياسته الباطشة بالمعارضة الداخلية, وسياسته العدوانية تجاه سوريا: «.. سياستنا في سوريا كانت خاطئة منذ البداية» قال قورتولموش.
الراي 2017-01-08