صحراء بلا بوصلة !
لنعترف بدءا ان هناك حالة من التشوش والاضطراب تسود واقعنا العربي وكأن البوصلات كلها اصابها العطب، وما اتاحته تكنولوجيا التواصل من سهولة في التعبير حذف آخر فارق بين من يدري ومن لا يدري، رغم ان المصيبة واحدة .
يتجلى التشويش في تعليقات وتحليلات لا تتخطى سطح الحدث او ما نتأ من جبل الجليد في المحيط ، فهل اصبح العربي تائها لكن خارج الصحراء هذه المرة، ام انه يسدد مديونيات تراكمت لقرون كان خلالها خارج المعادلات كلها، فالمسأفة بين الرعايا والمواطنين لا تقاس بالاميال بل بالاخطاء التي تترتب على قرارات احادية وحسابات تكتيكية .
ان اسوأ ما يمكن ان يلحق بالانسان هو ان يكون آخر من يعلم بما يجري له ومن حوله، لأنه عندئذ سيكون مجرد صدى تتلاعب به فضائيات تحولت بفضل الايديولوجيا المسلحة الى غرف عمليات في حروب اهلية تتدرج من البارد الى الملتهب .
ويبدو ان فائض الفوضى الفضائية ادى دوره بالتمام والكمال وحذف الفواصل حتى بين الاضداد، ولو قدر لاي عربي ان يعيش حتى يرى بنفسه نتائج وافرازات ما يجري الان لربما انكر نفسه وتبرأ منها، لأن ضحايا الوعي السالب والاغتراب عن الذات يستغرقون في سبات طويل تماما كما يحدث للمضبوع الذي يلهث وراء زفير الضبع الذي نفخ على وجهه باتجاه الكهف كي يتحول الى وليمة !
لكن من ابتدعوا هذه الخرافة سرعان ما تداركوا الامر واضافوا اليها منطقا مدهشا هو ان المضبوع لا يصحو ويستعيد رشده الا اذا ارتطم رأسه بسقف المغامرة وسال منه الدم !
والدم هنا شرط الصحو، لكن ما سال حتى الان من دم عربي يكفي لأن يطفوا المذبوحون عليه لم يؤد الى صدمة يُستعاد معها الوعي .
ان اقصى عقاب للانسان على جهله هو ان كونه آخر من يعلم بما يجري حوله وتحت قدميه !
الدستور 2017-01-10