الصين إذْ «تَسْتَعِد» لـ «قيادة العالم»؟
لم تكن زلّة لسان، تلك العبارة غير المسبوقة التي وردت في تصريح لدبلوماسي صيني يشغل رئاسة القسم الاقتصادي الدولي في وزارة الخارجية الصينية ويحمل اسم تشانغ جون، وبخاصة اذا ما علمنا ان الدبلوماسيين الصينيين يُبدون حذراً شديداً في الإدلاء بآرائهم السياسية ويتركون المهمة للناطقين الرسميين باسم الهيئات والوزارات ذات الصلة, حتى في الشؤون الداخلية, ما بالك اذا كانت ذات صلة بأمور خارجية تتجاوز صلاحيات اي «موظف» مهما كانت درجته وموقعه؟ في بلد اعتمد نظرية «الصعود السلمي» وبقي يُردِّدها في كل المحافل وعلى المستويات كافة، حتى يُبدِّد مخاوف «الآخرين» - وهم كُثر - وعلى رأسهم بالطبع الولايات المتحدة الأميركية, التي لم تتوقف عن توجيه الانتقادات اللاذعة لبيجين,مُتهِمة اياها بالسعي لتوسيع نفوذها والتمدُّدها السياسي - وخصوصا الاقتصادي والتجاري في ساحات عديدة, مُستفيدة من الاختلالات العميقة في ميزان التبادلات التجارية مع دول ذات اقتصادات كبيرة مثل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي, (لصالح الصين بالطبع) الامر الذي طالما اثار حفيظة الإدارات الاميركية المُتعاقِبة, رغم انها كانت «تستفيد» من الاستثمارات الصينية الضخمة في السندات الاميركية، والتي وصلت ذات عام الى اكثر من تريليون دولار، وكانت (الصين) تحتل مرتبة الدائن الاول للولايات المتحدة, قبل ان تسبِقها اليابان في العام الماضي, لتجلس مكانها وتدفعها الى المرتبة الثانية.
وان كانت واشنطن ركّزت – ضمن امور اخرى – حملاتها على الصين في بُعدها العسكري, عندما دأبت على التحذير من ارتفاع مستوى الإنفاق العسكري لبيجين, في حملة تضليل مقصودة ومُبالَغ فيها، اذا ما عقدنا مقارنة بين ما تُخصِّصه الصين للإنفاق العسكري وتحديث ترسانتها العسكرية وبخاصة اسطولها البحري, حيث لا تزيد عن 64 مليار دولار, فيما الارقام المُعلَنة لموازنة «الدفاع» الاميركية تزيد على 650 مليار دولار، اي ان الصين تُنفق أقل من 10% من الموازنة العسكرية الاميركية, التي تفوق موازنات الدفاع في اكثر من نصف دول المعمورة بما فيها دول مُتقدِّمة.
ليس هذا موضوعنا, وان كان ما سَبَق, يُضيء على طبيعة المسارات التي حكمت وستحكم العلاقات الصينية الاميركية وبخاصة في عهد الادارة الجديدة, التي لا يُخفي رئيسها «عداءه» للصين ورغبته في «الصِدام» معها, عبر استفزازها وابتزازها في الوقت عينه, تارة في العبث بمبدأ «صين واحدة» الذي حدَّد الأُطر والمعايير التي قامت عليها العلاقات الصينية الاميركية منذ اكثر من ثلاثة عقود ونصف, وبخاصة في شأن بيع الاسلحة لتايوان حيث وقَّع الطرفان بياناً مشتركاً في آب من العام ,1982 ينص على تعهّد الحكومة الاميركية بعدم السعي الى تنفيذ سياسة بيع اسلحة الى تايوان لمدة طويلة, وان الاسلحة المُباعة منها الى تايوان لن تتجاوز نوعياً وعددا المستوى الذي باعته الى تايوان خلال السنوات الاخيرة، بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين واميركا, وتخفيضها تدريجياً وصولاً الى الحل النهائي بعد فترة من الزمن.
ما علينا..
ترامب هدّد بنقض سياسة «صين واحدة» اذا لم تقم بيجين بتخفيض قيمة عملتها الوطنية (اليوان) مقارنة بالدولار, وان تسعى الى وقف تدفق سلعها الرخيصة الى اميركا فضلا عن استعداده للمضي قدما في رفع شعار «أميركا أولاً», بكل ما قد يحمله تطبيق هذا الشعار من ضرر في علاقات بلاده مع معظم دول العالم, ورأينا كيف قام بإلغاء اتفاقية التبادل التجاري الحرّ, مع دول المحيط الهادئ(اتفاقية النافتا), فضلا عن تعهد الادارة الجديدة بمنع الصين من السيطرة على «اراضٍ» في المياه الدولية (يقصد تحديداً منطقة بحر الصين الجنوبي).
واذا ما عُدنا الى خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في منتدى دافوس الاقتصادي الذي التأم مؤخراً في المنتجع السويسري الشهير، وكيف «تَسَيَّد» الصينيون المشهد, وبخاصة قوله «إن بلاده زعيمة عالم العولمة، وهو العالم الذي لا يحل المشكلات الكبرى فيه, إلاّ التعاون الدولي»، مُطالِباً (الرئيس بينغ) دول العالم بِمقاومة الانعزالية (في اشارة الى ترامب قبل تنصيبه) ومؤكِّدا رغبة بيجين في اداء دور «اكبر» على الساحة الدولية، فان تصريح الدبلوماسي الصيني المُدوي وغير المسبوق, يمكن تفهمه, سواء في مضامينه وما انطوت عليه أم في توقيته.
....»إن الصين لا تسعى الى قيادة العالم، لكنها قد (تُجْبَر) على تبني هذا الدور... اذا تراجع الآخرون».. قال الدبلوماسي الصيني امام مؤتمر دافوس, مُضيفاً: إن قال اي شخص, ان الصين تلعب دورا قياديا عالميا في العالم، فانني اقول إن الصين لا تدفع الى تَصدُّر المقدمة، لكن مُتصدِّري السباق تراجعوا، تاركين المكان للصين».. ثم استطرد قائلاً: إن الصين اذا ارادت لعب هذا الدور القيادي, فإنها ستتحمل مسؤولياتها» ختم تشانغ جون.
هل تُريد الصين لعب هذا الدور..حقاً؟ ام انها تُلوِّح به في وجه ترامب فقط؟
...يصعب التكَهُّن، لكن التوتر آخذ في التصاعد بين واشنطن وبيجين, والأمر مرهون – في ما يبدو – بيد ترامب, الذي يقود سياسة شعبوية في الداخل وعدوانية انعزالية... في الخارج.
الراي 2017-01-25