إسلام بنكهة الفراولة!
أكثر ما يستفزني في موضوع المصطلحات الحديثة، خاصة المتعلقة بديننا، تقسيم الإسلام، وتصنيفه إلى إسلام معتدل ومتطرف وسياسي ودعوي، وغيرها من تقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يبق في «مزاد» التقسيمات إلا أن يقال إن لدينا إسلاما بنكهة الفراولة أو التوت البري، أو إسلاما بالحليب، أو إسلاما دايت، أو كامل الدسم، وأحسب أن آخر تقسيمين هما المعنيان بالموضوع كله!.
ما جرني لهذا الحديث تحديدا اليوم، تصريحات «ترامبو» عن عزمه «استئصال» ما سماه الإسلام الراديكالي، كأن هذا الـ «إسلام» مجرد زائدة دودية قابلة للإزالة والاستئصال، ولم أر حقيقة أكثر صفاقة وسطحية من كلام كهذا، صحيح أن المسلمين يعيشون اليوم في درك مريع من الخذلان والضعف والاستقواء، لكن الإسلام كدين في قمة زهوه وانتشاره وألقه، ولعل هذا هو سبب الغيظ الذي تتميز به قلوبهم عليه وعلى أصحابه!
الإسلام هو الإسلام، واحد غير قابل للتصنيف والتقسيم و»التنْكيه» فاسمه ومحتواه ونكهته وكنهه واحد، وثمة حيلة خبيثة تكمن في عملية التصنيف ابتداء، وهي حيلة معاصرة، ابتدعتها مختبرات صناعة الاصطلاحات، التابعة لأجهزة الاستخبارات العالمية، بهدف ضرب المفهوم الواحد، وتمييع الدين، وأنى لهم هذا، فهو دين محفوظ بضمانة رب العالمين، ولم يزل ولله الحمد حيا نابضا في قلوب الملايين، ولم يزل أيضا الشغل الشاغل للأجهزة إياها، في محاولة يائسة لوقف تمدده وانتشاره، أو «تجميده» في قلوب المؤمنين به..
أما حكاية «الإسلام الراديكالي» فهي حكاية مهترئة، ولا ننظر إليها إلا باعتبارها حيلة مبطنة لاستهداف الإسلام من حيث هو إسلام محض، والاستهداف في معناه المبطن، يستهدف المسلمين بالطبع، وغير بعيد عن لعبة المصطلحات تلك، تكمن لعبة أخرى تتحدث عن إسلام جهادي وإسلام غير جهادي(!) وفي الحقيقة لا يوجد إسلام جهادي وإسلام غير جهادي،
الفخ نفسه وقع فيه عمدا أو جهلا مثقفون وكتاب عرب، حيث ألقوا برداء داعش و «الراديكالية» على أي نشاط إسلامي، وبرع بعضهم في دعوشة كل الإسلام، باعتباره دينا متطرفا، ويحتاج لـ إصلاح جذري، ومراجعة كل ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة!
التحالف الشرير بين الصهاينة والأمريكان ، ضد الإسلام كمبادىء وبشر ، لا يؤثر على قوة التيار الوسطي، الذي يهيمن على قلوب عامة المسلمين، بل يزيدهم تمسكا بدينهم، بل إن هذا التحالف يزيد تطرف المتطرفين، ويعزز لديهم الاعتقاد السائد أن المستهدف ليس التطرف و»الإرهاب» بل المسلم من حيث هو مسلم، لأنهم يريدون إسلاما بلا إسلام، إسلاما لا يعدو أن يكون طلاء خارجيا: من لحية وأذان وصلاة ، أما ما يتعلق بكرامة المسلمين واستقلالهم وكبريائهم، وتحرير اقتصادهم وأرضهم، ومقدساتهم، وثرواتهم من أي استغلال أو هيمنة، أو تدنيس، فهو سلوك إرهابي يجب التعامل معه بسلاح الإخراج من دائرة الشرعية والملاحقة، وهذه السياسة هي وصفة مكثفة ليقظة المسلمين النائمين، إن لم تكن صناعة المزيد من «الدواعش» و»الراديكاليين» إن جاز التعبير!
الدستور 2017-01-26