بيان استانا.. «طل الصباح ولك علوش»
عندما انتهى مؤتمر استانا من اجل سوريا، باعلان البيان الختامي، كنت اسمع اغنية للمطرب الشعبي السوري علي الديك يقول في مطلعها « طل الصباح ولك علوش... سبقونا هالحصادي «. والحقيقة أن رئيس وفد المعارضة المسلحة محمد علوش لم يتأخر، أو يتلكأ، بل كان السبّاق الى حضور المؤتمر، ولكنه لم يحصد النتائج التي ارادها أو خططت لها المعارضة المسلحة، لذلك جاءت تصريحاته استفزازية، رغم قبوله بنود الاتفاق.
الثابت أن الدول الراعية والضامنة ( روسيا وتركيا وايران )، هي التي وضعت صيغة البيان الختامي بدبلوماسية المجاملة، من أجل انجاح المؤتمر، وتعهدت بتثبيت وقف اطلاق النارعبر آلية ثلاثية، لم يعلن عن تفاصيلها، كي لا يتسلل الى ثناياها الشيطان.
هذا المؤتمر، حسب البيان الختامي، حقق تقدما ملموسا ونجاحا محدودا، ومهد لأطلاق الحوار السوري – السوري من أجل التوصل الى حل سياسي، تلتزم فيه كافة الأطراف بالمحافظة على سيادة واستقلال سوريا ووحدة اراضيها، واعداد دستور جديد، واقامة نظام ديمقراطي لا طائفي في البلاد، التي شهدت قتالا هو أقرب الى الحرب العالمية لكثرة الدول والأطراف متعددة الجنسيات المشاركة في القتال، أوالمحرضة عليه.
وهذا المؤتمر، في حال نجاحه في تثبيت وقف اطلاق النار، قد يؤمّن ايصال المساعدات الانسانية الى المحتاجين، ويسهّل تنقل المدنيين، حسب اعلان الدول الضامنة ورغبتها. وهنا نقول إن هذه النتائج «عال العال» وتبعث على التفاؤل الى حد ما، ولكن.. الحقيقة أن المشهد الجديد يثير اسئلة وتساؤلات عديدة تحتاج الى أجوبة صريحة وجريئة. أولها كيف سيتم تثبيت وقف اطلاق النار ونحن نعلم أن جبهة النصرة وتنظيم داعش(أكثر عددا وعتادا) ولهما الدور العسكري الأكبر والأخطر في سوريا، ويسيطران على معظم اراضي ومناطق الريف التي لم تحرر بعد، وبالتالي كيف سيتم الفرز بين المعارضة المسلحة وبين التنظيمات المتطرفة؟.
والحقيقة التي لا لبس ولا غموض فيها، هي أن التنظيمات التي شاركت في مؤتمر استانا بقيادة علوش، غير قادرة بعددها وعدتها، على خوض مواجهة عسكرية مع النصرة وداعش، ولا هي راغبة بذلك، لأنها تنظيمات وجدت لتقاتل ضد النظام في سوريا، وليس ضد التنظيمات الارهابية الأخرى.
كذلك تركيا التي تصدرت المؤتمر، فهي غير صادقة في نواياها، رغم الغطاء الروسي لتجاوزاتها، لأن حكومة انقرة لم ولن تقفل معسكرات التدريب، أوتبعد المسلحين الأجانب، وتقفل حدودها تماما أمام تسلل المسلحين الى الأراضي السورية، وبغير تحقيق ذلك سيظل البيان الختامي حبرا على ورق، خصوصا أن تركيا هي التي انتهكت سيادة سوريا، وما زالت قواتها تتغلغل داخل الأراضي السورية تحت عنوان محاربة الأرهاب، ولكن الهدف الحقيقي هو مقاتلة الأكراد في الشمال، وهم من مكونات الشعب السوري، ويجب حل مشكلاتهم ضمن الحل السياسي للمسألة السورية.
الحقيقة ان وقف اطلاق النار لا يحتاج الى مجاملات وتبادل مصالح بين الدول المعنية، لأن الطريق الى الجحيم مرصوفة بالنوايا الحسنة. فهذا الاتفاق يحتاج الى عمليات مساندة، أولها وقف ارسال المسلحين من الخارج، خصوصا عبر الحدود التركية، وتجفيف منابع التمويل والتسليح، وخوض معركة حقيقية ضد التنظيمات التي رفضت حضور المؤتمر، كما رفضت، من قبل، الانضمام الى اتفاق وقف النار.
وأضيف، إنه في الوقت الذي نرى فيه معظم الدول الاقليمية والدولية تدعم المنظمات المسلحة في سوريا، لا أعتقد أن أي دولة في العالم المتقدم كما في العالم النامي أو المتأخر تسمح للمعارضة بالنزول الى الشارع بالسلاح، تحت أي مبرر أو شعار. وقد شاهدنا كيف تعاملت واشنطن وموسكو وبرلين وباريس ولندن وانقرة مع المسلحين الذين ارتكبوا اعمالا أرهابية في شوارعها.
وهنا وجب السؤال: لماذا يطلبون من دمشق السماح ببقاء المسلحين في المدن والأرياف بمدافعهم ودباباتهم وكامل اسلحتهم، أو التفاوض معهم، ومعظمهم من خارج سوريا؟! ومن الذي يموّلهم ويزودهم بالسلاح؟! أسئلة تحتاج الى وقفة تامل واجوبة صادقة.. لقد حان الوقت، أليس كذلك؟.
الراي 2017-01-26