ترامب.. شاغل الناس
لا جدال في أن الرئيس الاميركي دونالد ترامب يشغل في هذه الايام اذهان الناس في جهات الارض الاربع، ماذا قال وماذا ينوي ان يفعل ؟ بعد أن شغلهم في حملته الانتخابية وتندروا كثيراً بما كان يطلق من آراء واحكام تتعلق بكل شيْ أو بلا شيء ! وها هو الآن بعد أن تسنّم كرسي الرئاسة يصول ويجول فتصغي له الأسماع وتتابعه العيون أينما حل واينما ارتحل، وتبدأ الصحف ومحطات الاذاعة والتلفزيون حول العالم في التقاط كل اشارة تبدر منه لتعلق عليها وتحلل مضامينها حتى لو لم تعثر على مضامين ! رغم أن هذا العالم يعرف ان السياسة العليا في الولايات المتحدة حسب الدستور لا يقررها شخص الرئيس نفسه وإنما المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وسواها فتتبلور في النهاية على صورة توصيات تقتضي أن يوافق عليها، فصحيح ان اعلان الحرب مثلاً، حتى النووية ويا للهول، مرهون بأمره لكنه في ذلك وقبله خاضع لتقدير المؤسسة العسكرية (البنتاغون) ولموافقة الكونغرس، وصحيح أنه يملك كمثل آخر إصدار أوامره بالغاء سجون التحقيق والتعذيب خارج الولايات المتحدة لكن ذلك لا يحدث بجرة قلم فقد استغرق رئيساً كباراك اوباما سنوات عديدة كي ينجزه تحقيقاً لعهد قطعه على نفسه لأنها منافية لكل الأعراف الانسانية وقوانين العدالة واستجابةً لاحتجاجات واسعة في دول عديدة طالت على وجه الخصوص التعذيب بالاغراق في الماء خنقاً Water Boarding لكنه فشل في اغلاق سجن غوانتانامو! والمفارقة الصارخة ان الرئيس الجديد ترامب قد قرر شطب هذا الانجاز واعادة فتح تلك السجون وقال بكل برود أعصاب إنه اقتنع بعد زيارة قصيرة لوكالة المخابرات الاميركية CIA أن التعذيب يفيد (!) مع انه كان أثناء حملته الانتخابية يهاجم الوكالة ويسخر منها، وصحيح ايضاً أن الرئيس اوباما الذي قام في الاسابيع الاخيرة من فترة ولايته بالاقدام على خطوة جريئة انتصرت لفئة عزيزة من شعبه هم الهنود الحمر حين امر بوقف اعمال الحفر لمد انابيب نفط شركة داكوتا في اراضٍ تخص قبائلهم وتدمّر قبور اجدادهم وتلوث مياه انهارهم وذلك بعد وقفات اعتصام واحتجاج عديدة لكن ما أن أتى ترامب حتى أمر بالسماح للشركة ان تمد انابيبها وبرر ذلك بكلام لم يفهمه احد دون الالتفات لرأي القضاء ! وصحيح كذلك ان التغييرات ((التحسينية نسبياً)) التي استطاع الرئيس السابق ادخالها على نظام التأمين الصحي في اميركا في وجه مقاومة شرسة من شركات التأمين الخاصة يجيء الرئيس ترامب ليأمر بالغائها بحجة حرية الاختيار الذي لا يعني سوى اعتبار الخدمة الطبية مجرد سلعة يشتريها من يشاء وبالسعر الذي يفرضه البائع !.
وفيما يتعلق بالعلاقات الخارجية يصر ترامب على نقل سفارة بلاده في اسرائيل من تل أبيب الى القدس ولا بد ان خبراء السياسة والمستشارين في البيت الابيض ووزارة الخارجية قد ابلغوه أن الرؤساء الذين سبقوه ادركوا المضاعفات الخطيرة لتلك الخطوة فاحجموا عنها.
وعن علاقته بجارته المكسيك التي استقرت منذ عقود في اتفاقية التجارة الحرة (TAFTA) وقد دأب ترامب على مهاجمتها زاعماً أنها تعمل لصالح المكسيكيين فقط وينوي الان ايقافها وفرض ضريبة كبيرة على المصنوعات المستوردة من المكسيك كما انه يريد فوق ذلك منع الهجرة عبر حدودها ببناء جدار على نفقتها(!) مما أثار غضب الرئيس المكسيكي فألغى زيارته المقررة لواشنطن وهدد باجراءات انتقامية يبدو ان ترامب لا يعرفها ! وعن مسلسل سياسته العنصرية ضد المهاجرين قرر اعادة المسافرين القادمين من سبع دول شرق اوسطية حتى لو كانوا يحملون البطاقات الخضراء أو تأشيرات دخول صحيحة لكن تبين ان بعض المحاكم أوقفت قراره ! كما أمر باخراج المهاجرين الذين لم تكتمل اوراقهم للحصول على الاقامة والجنسية في الولايات المتحدة وقد رد عليه المسؤولون في ولايات عديدة ومنهم عمدة نيويورك الذي قال غاضباً إنه لن ينفذ هذا الامر لأنه سيقطّع اوصال عائلات عديدة من مواطني مدينته وهدد باللجوء الى القضاء.
وعن حلف شمال الاطلسي (الناتو) الذي كان يصفه بانه قديم بالٍ منتهي الصلاحية (obsolete) نجده فجأة يتراجع بعد لقائه مع تريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا ليقول انه يدعم الحلف مئة بالمئة، وعن الاتحاد الاوروبي أثنى على خطوة بريطانيا بخروجها منه مما أغضب دول اوروبا المتمسكة بالاتحاد.
وبعد.. فليست هذه جردة حساب مبكر للاسبوع الاول مع رئيس اقوى واغنى دولة في العالم بل مجرد مقال سريع لم يحتمل التأجيل لفرط الغيظ والدهشة والحيرة وغير ذلك من مشاعر غير مألوفه اثارها رئيس غير مألوف فشغل بها كل الناس، وهم الآن يرقبون ردود فعل الشعب الاميركي نفسه.
الراي 2017-01-31