صدمة للحكومة
أظنّ أنّ لسان حال رئيس الوزراء د. هاني الملقي، وفريقه السياسي، بعد نتائج استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية التي أعلنت أمس: "هي ناقصة؟!". فالنتيجة قاسية، وتأتي مع ارتفاع منسوب الأزمة بين الحكومة ومجلس النواب، على خلفية النقاش حول الأسعار والوضع الاقتصادي. ولا أعرف فيما إذا كان الرئيس سيستطيع النوم وإغماض جفونه بعد ذلك!
يكاد يكون هناك رقمان قياسيان للرئيس، لم يحصل عليهما أي رئيس قبله خلال فترة قصيرة من حكومته. الأول، هو أنّ الرئيس حصل على أقل تقدير من قبل الرأي العام بنسبة بلغت 40 %؛ فتفوق بذلك على الحكومات السابقة بانخفاض الشعبية، قبل أن يبدأ برفع الأسعار، فكيف نتوقع أن تكون الحال مع الارتفاعات المتوقعة؟!ولا تبدو حال الحكومة بأفضل من الرئيس؛ إذ حصدت 40 % أيضاً، فيما قطع الفريق الوزاري شوطاً أطول ليحصد 39 %، متجاوزاً بمسافات فلكية كل الفرق الوزارية في الحكومات السابقة.
الأسوأ من هذا وذاك أنّ التعديل الوزاري الأخير الذي أجراه الرئيس، لم يغيّر من هذا الواقع شيئاً، ولم يساعد على انتشال الحكومة من "فجوة الثقة" بينها وبين الشارع، التي وصلت مع مرحلة الرئيس الحالي إلى ما يمكن أن نسميه "فقدان القناعة" بالحكومة.
النتيجة الثانية التي لا تقلّ سوءاً ولا خطورة عن الأرقام السابقة، تتمثل بالانحدار الكبير في أرقام من يعتقدون أنّ الأوضاع تسير على الطريق الصحيحة، وارتفاع متطرف في قناعة من يرون العكس؛ أي إنّ الأمور تسير بالاتجاه الخاطئ.
ما أدهشني جداً هي عينة قادة الرأي التي تميل عادة إلى أن تكون أكثر موضوعية وعقلانية، وأخفّ حدّة على الحكومات من العينة الوطنية. فنسبة من يرى منهم –أي قادة الرأي- أنّ الأمور تسير بالاتجاه الصحيح هي فقط 37 %، بانخفاض يصل إلى 20 % عن الاستطلاع السابق، وهو رقم قياسي غير مسبوق أيضاً، للأسف.
في المقابل، يرى 58 % من قادة الرأي أنّ الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ، مقابل 36 % في الاستطلاع السابق (أي تشرين الثاني (نوفمبر) 2016). وأرجو من المعنيين هنا الانتباه إلى الفترة الزمنية الفاصلة بين الاستطلاعين؛ هي فقط شهران، حدث خلالهما هذا الانجراف الهائل في المزاج السياسي الشعبي والنخبوي على السواء!
هذه ليست نتائج استطلاع رأي، بل صدمة ألقيت في وجه الحكومة، تُظهر إلى أي مدى وصلت الحالة الشعبية (والاستطلاع أجري قبل النقاش الحالي عن رفع الأسعار، وبعد الانتخابات النيابية التي من الواضح أنّها لم تؤد إلى تغيير المزاج العام). فمن الضروري أن ننظر إلى هذه الأرقام بجدية كبيرة تستدعي تفكيرا جديّاً وعميقاً، وليس تسخيفاً أو استهزاءً بأهمية الرأي العام، كما يفعل بعض المسؤولين عادةً.
هل هو ذنب الرئيس وحكومته، أم أنّها تراكمات وصلنا إليها وفرضتها الأوضاع المالية والاقتصادية السيئة الحالية؛ إذ طغا الهم الاقتصادي على أي اعتبارات أخرى في الأسباب التي قدّمها المواطنون في الاستطلاع؟!
الجواب: الاثنان معاً. فالرئيس وحكومته لم يكونا مقنعين للرأي العام، وهذا من المفترض أن يتم بحثه ومناقشته جدياً. كما إنّ التراكمات في الحالة النفسية العامة لعبت دوراً كبيراً في هذه النتائج، بخاصة أنّ المناخ العام لا يدفع إلى التفاؤل بإمكانية وجود أفق اقتصادي حقيقي في المرحلة المقبلة، حتى قبل رفع الأسعار.
الغد 2017-02-02