لقاء الملك مع ترامب... كلام مختلف
لا نحتاج إلى استطلاعات للرأي تظهر أن الرئيس الأميركي ترامب بات مكروهاً عالمياً بعد أن كان فوزه خارج إطار التوقعات.
ولم يتمهل ترامب للإيفاء بوعوده الانتخابية المثيرة للجدل والسخرية والرفض، فألغى لقاء الرئيس المكسيكي لأنه لم يوافق على تمويل بناء جدار بين بلاده وأميركا، وأصدر مجموعة أوامر تنفيذية أربكت العالم كان أبرزها حظر دخول مواطني سبع دول كلها عربية ما عدا إيران لأميركا لمدة 3 أشهر، بالإضافة إلى تعليق برنامج قبول اللاجئين لمدة 4 أشهر، ووقف قبول اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة حتى إشعار أخر.
لم تكن هذه وحدها القرارات التي أشعلت حملة ضده، بل سبق ذلك توجيه انتقادات لدول أوروبية والتلويح بتخفيض دعم أميركا للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.
باختصار لم يسلم أحد من شرور ترامب باستثناء إسرائيل التي أغدق عليها الدلال وهو ما أزعج أكثر وأكثر العالم العربي الذي بات يدرك أنه مستهدف من قبل الإدارة الأميركية الجديدة، على الرغم من ترحيب قيادات دول عربية بقرارات ترامب التي مست بهم ورفضت دولياً.
أزمة الرئيس ترامب الأكثر صعوبة وإشكالية هي داخل أميركا، ولا يعرف حتى الآن إلى أين ستقود هذه المعارضة سياساته وقراراته؟
القرارات التنفيذية التي أصدرها ترامب وخاصة منع اللاجئين وحظر دخول مواطني دول عربية وإسلامية اعتبرت خرقاً للدستور الأميركي وتمييزا ومعاداة لدين بعينه، وهو ما أثار كل المؤسسات الحقوقية داخل أميركا، فتحركت بشكل منظم لرفض هذه القرارات وتوفير كل سبل الدفاع والانصاف للمتضررين منها.
لا يحسد ترامب على خصومه في الداخل، فالإعلام سلفاً في غالبه في مواجهة واضحة معه، ولن ينسى أن ترامب استهدف وسائل الإعلام في أول مؤتمر صحفي له، ونجوم هوليود لا يتوقفون عن نعته بأبشع الأوصاف، هذا عدا عن السياسيين وأكبر الشركات، فلقد أعلنت أهم شركات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات بأنها ما كان ممكناً أن تكون موجودة بأميركا لولا اللاجئين وجهودهم وابداعهم.
وغني عن القول إن الأردن لم يكن سعيداً بمواقف الإدارة الأميركية الجديدة وإنْ تجنب إظهار معارضة علنية واسعة لها، باستثناء الموقف من نقل السفارة الأميركية إلى القدس الذي أعلن بأنه يضرّ عملية السلام وحل الدولتين.
ورغم الحذر والمخاوف فقد اختار الأردن سياسة الاشتباك الإيجابي المبكر مع الرئيس ترامب وإدارته الجديدة لعله يفلح في الحد من اندفاعه المعاكس للرؤية الأردنية والعربية، وقبيل تنصيب ترامب التقى الملك بأهم الأسماء الوازنة في الإدارة الجديدة.
عاد الملك إلى أميركا الأسبوع الماضي بعد زيارة مهمة إلى روسيا ليستكشف الموقف الأميركي، ويبعث برسائل أردنية وعربية واضحة لا تحمل اللبس.
اجتمع الملك كأول زعيم في المنطقة مع الرئيس ترامب في لقاء غير رسمي على هامش "إفطار الدعاء الوطني"، وهذا بحد ذاته يعتبر انجازاً للدبلوماسية الأردنية، وهو ضربة استباقية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي سيلتقي ترامب منتصف هذا الشهر.
لن ينقلب ترامب على نفسه بعد لقاء الملك، ولا يجوز أن نرفع سقف التوقعات فيما نأمل منه، لكنها خطوة مهمة لإسماعه مواقف مختلفة، فالأردن لديه مصالح سياسية واقتصادية مع الولايات المتحدة، فهو لا يقبل بالمساس بالمقدسات في فلسطين وهو صاحب الولاية عليها، ونقل السفارة الأميركية للقدس مساس بها وبالحل النهائي.
وعمان تريد أن تعرف الأجندة الأميركية من فكرة المناطق الآمنة في سورية، وما هو الدور الأردني، وما هو مصير اللاجئين السوريين على أراضيه، وفي ذات الوقت الأردن سيصبح بعد شهرين رئيس القمة العربية بعد أن تنعقد في شهر آذار بالبحر الميت، ولا يسعده المواقف المعادية للعالم العربي، ويسعى أن يكون اللاعب السياسي وعراب التفاهمات العربية مع الإدارة الجديدة، وهو من يساعد في فتح الأبواب لهم للعاصمة واشنطن.
وقبل كل ذلك الأردن يريد أن يطمئن أن أميركا مستمرة في مساعدته اقتصادياً وعسكرياً، فهي أكبر الداعمين، وقد سادت مخاوف بعد أن أعلن عزمه تخفيض الدعم الخارجي.
زيارة الملك لواشنطن ليست قفزة في الهواء، ولكنها مبادرة ستتبعها خطوات في الزيارة الرسمية القادمة لواشنطن قد تسهم في أن يفهم ويسمع ويرى الرئيس ترامب ما أغلق أذنيه وعينيه عن سماعه ورؤيته!
الغد 2017-02-05