قانون صهيوني لحماية اللصوصية
أقر الكنيست الإسرائيلي مساء الاثنين، واحدا من أخطر قوانين الاستبداد الصهيوني، الذي لا يمكن للعقل الإنساني أن يستوعبه، خاصة إذا دقق في تفاصيله. وفي جوهره، شرعنة سرقة الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة في الضفة المحتلة، التي استولت عليها عصابات المستوطنين، وأقامت عليها بؤرا استيطانية. والهدف منه تثبيت هذه البؤر وتحويلها إلى مستوطنات، دون أن تكون امكانية لأصحاب الأراضي الفلسطينيين باستعادة أراضيهم بقرارات محاكم. فحتى المستشارين القضائيين لحكومة الاحتلال يحذرون من أن القانون سيقود إسرائيل الى محكمة الجنايات الدولية.
المدلولات الأبرز لهذا القانون، هو سريان فعلي للقانون الإسرائيلي على الضفة المحتلة منذ العام 1967، بما يخالف القانون الدولي. رغم أن القوانين الإسرائيلية تطبق فعليا على الضفة، من خلال أوامر الحاكم العسكري. كذلك فإن القانون يفرض بالقوة مصادرة الاراضي بملكية خاصة، لغرض استيطان "مواطني الدولة" التي تمارس الاحتلال عليها، وفي هذا عدة مخالفات خطيرة للقوانين الدولي؛ المتعلقة بالأراضي المحتلة، وحقوق المالكين للأراضي، ونقل جمهور الى المنطقة المحتلة، الذي يُعد جريمة حرب، وغيرها من المخالفات.
لن نسرح في الخيال، ولن نغرق في أوهام "مصداقية" المحكمة الدولية، التي لم تقو إلا على الضعفاء، ولا نتوهم بأننا سنرى في وقت قريب قادة الصهاينة معتقلين، ويمثلون أمام المحكمة الدولية. فالصهيونية ووليدتها إسرائيل ترتكب الجرائم ضد الإنسانية على مدى سبعة عقود، ولم يمثل ساستها في أي يوم أمام المحاكم. وحتى قرار المحكمة الدولية ضد جدار الاحتلال في الضفة، لم يوقف بناءه.
وهذا القانون يعكس حقيقة وجوهر الصهيونية. ومنذ العام 1948 سنت إسرائيل قرابة 43 قانونا كلها تهدف الى مصادرة الأراضي الفلسطينية من اصحابها، بهدف بناء أكثر من 500 مستوطنة في فلسطين الـ 48، وقرابة 134 مستوطنة في الضفة، وأكثر من 30 مستوطنة في الجولان، عدا 18 مستوطنة في قطاع غزة، قبل اخلائها.
ولكن جديد هذا القانون، هو أنه يقونن ممارسات عصابات الارهاب المنفلتة، التي باتت تتمدد في أروقة الحكم الإسرائيلي. فعلى مدى عشرات السنين، أطلق النظام الصهيوني الحاكم أيدي الكثير من العصابات الاستيطانية، لتفعل ما لا يمكن للنظام أن يمارسه رسميا؛ حينما كانت إسرائيل تأخذ بالحسبان ردود الفعل الدولية، ولو نسبيا، مقارنة مع حال اليوم. ما يعني أن إسرائيل لم تعد تشعر بأي حرج من عنصريتها ومن ارهاب الدولة الذي تمارسه، وهي ترى الواقع الدولي الذي يلعب لصالحها.
تقاسم الأدوار في الحلبة السياسية الإسرائيلية كان مفضوحا الى أقصى الحدود في الاسابيع الأخيرة. فرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، زعم في أكثر من محطة، أنه يعارض القانون، ناصتا الى نصائح المستشارين القضائيين لحكومته، إلا أنه على أرض الواقع كان يلقي بكل ثقله ووزنه، لضمان الأغلبية الواضحة لدى التصويت.
وحتى المعارضين للقانون خاصة في حزبي "العمل" و"يوجد مستقبل"، منطلقاتهم تنبع من أن إسرائيل ليست بحاجة لهذا القانون، الذي لن يغير الكثير على أرض الواقع بفعل عربدة الاحتلال، وليس في بالهم حقوق الشعب الفلسطيني، ولا مالك الأرض، فهم جميعا كانوا شركاء في حكومات، وقعت في ظلها جرائم نهب الأراضي الفلسطينية الخاصة.
الآن يتوقع الكثيرون في حكومة الاحتلال والبرلمان، أن المحكمة العليا الإسرائيلية ستغلي القانون. وهذا ما يتوقعه المستشار القضائي للحكومة، بصفته المدعي العام الأعلى، وقد أبلغ حكومته بأنه لن يدافع عن القانون باسم الحكومة، رغم يمينية هذا المستشار وقربه من شخص بنيامين نتنياهو.
ولكن حتى لو ألغت المحكمة القرار بعد عدة أشهر من الآن، فإن هذا لن يغير من حقيقة العقلية الصهيونية العنصرية، التي تطبقها حكومات الاحتلال على الأرض. وثانيا، فإنه لا يتوقع أحد أن الغاء القانون سيغير شيئا على الأرض. فكل الأراضي بملكية خاصة، التي استولت عليها عصابات المستوطنين، لن تعود فعليا الى أصحابها، ولن يتاح لهم الوصول اليها بشكل حر واستخدامها، بل ستبقى تحت سطوة جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين.
الواقع في هذه المرحلة سوداوي الى أقصى الحدود، ولكن الاحتلال يعرف في داخله، أن ما هو قائم من استبداد وقمع وقهر لشعب بأكمله، لن يدوم، والمسألة مسألة وقت إلى حين الانفجار التالي.
الغد 2017-02-08