التصعيد الأميركي ضد إيران
تم تحديد معالم سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو إيران خلال حملته الانتخابية؛ إذ كان معارضاً للاتفاق النووي الذي أُبرم مع دول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا. وقال أكثر من مرة إنه سيلغي الاتفاق في حال فوزه. ولم تتغير لهجة ترامب حيال إيران بعد انتخابه، باستثناء أنها أصبحت أكثر حدة من ذي قبل، لا بل تم التصعيد مع إيران باعتبارها دولة راعية للإرهاب، وهي تهمة لم توجه من قبل الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما.
لماذا التصعيد الآن؟ وهل سيقوم ترامب بإلغاء الاتفاق النووي؟ سيناريو إلغاء الاتفاق، والذي تدفع باتجاهه إسرائيل، وبعض الدول العربية، لن يكون خياراً سهلاً على ترامب، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: أن ذلك سوف يضعه في مواجهة مع حلفائه الأوروبيين والدول الأخرى التي رعت الاتفاق، وبخاصة روسيا والصين. علاوة على أنه تمت المصادقة على الاتفاق في مجلس الأمن. وعليه، سيضع ترامب نفسه في مواجهة أطراف عدة، ويخاطر بانقسام المعسكر الغربي الذي كان متوحداً برؤيته نحو البرنامج النووي الإيراني.
ثانياً: في حالة إلغاء الاتفاق، لا توجد خيارات أو بدائل لترامب سوى العقوبات الاقتصادية على إيران والتي لم تثنها سابقاً عن المضي في برنامجها النووي. علاوة على أنه بذلك يخاطر بالمكاسب الاقتصادية الكبيرة التي ستعود على أميركا وحلفائها، ما سيجعل من مسألة إقناعهم باللجوء للعقوبات صعبة جداً.
إن تصاعد اللهجة العدائية الأميركية التي جاءت على لسان وزير الدفاع الأميركي لم يكن مرتبطا بالاتفاق النووي، بل باتهام إيران بأنها دولة راعية للإرهاب، وإن أميركا لن تسمح لها بالاستمرار في ذلك. وإلصاق تهمة الإرهاب بإيران ناجم عن دعمها وتبنيها لحركات شيعية في المنطقة العربية في لبنان والعراق واليمن. وهذا يعتبر تغيراً كبيراً في السياسية الأميركية؛ لأن تهمة الإرهاب كانت مرتبطة دوماً بالحركات السياسية السنية، مثل "داعش" و"النصرة" وغيرهما. واعتبار إيران داعمة وراعية للإرهاب، يُقرّب الولايات المتحدة من المطالعة الخليجية التي كانت دائماً تقول إن الإرهاب ليس سنيّاً فقط، وإنما هو شيعي كذلك.
كان هناك من يعتقد أن إيران بعد الاتفاق النووي سوف تتغير وتتصرف بطريقة غير عدائية نحو جيرانها، لكن الحقيقة أن ما حدث هو العكس تماماً. لقد استغلت إيران ضعف السياسة الأميركية في المنطقة وانسحابها شبه التام منها، وأحكمت سيطرتها على مفاتيح السلم والحرب في العراق، وعززت نفوذها بشكل كبير في سورية، إضافة لدعمها لحزب الله والحوثيين في المنطقة.
الواضح أن ترامب لا يريد لإيران أن تستمر بالاستفادة من السياسة الأميركية لتعزيز نفوذها، بخاصة أنه أعلن أن من أولوياته في المنطقة محاربة الإرهاب، فهو لا يريد أن يهزم الإرهاب في العراق وسورية، وتقوم إيران بتعزيز نفوذها وملء الفراغ كما حصل بعد غزو العراق.
من المبكر الجزم حول قيام الولايات المتحدة بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. لكن من المؤكد أن إيران ستكون هدفاً للسياسة الأميركية في عهد ترامب، والتي يمكن إجمالها بأن الولايات المتحدة سوف تشدد الخناق على إيران، كما التشدد في مراقبة تنفيذها للاتفاق النووي، واستخدام التهديدات كورقة ضغط لتقليص الدور الإيراني في المنطقة، وبخاصة في سورية ولبنان واليمن. وبهذا الهدف العام، فهي تلتقي مع أغلب الدول العربية والخليجية خاصة، وقد تلتقي مع روسيا التي قد تكون راغبة في الحد من نفوذ إيران في سورية؛ إذ إنها ليست راضية عن القوى غير النظامية المدعومة إيرانياً في سورية، وبخاصة حزب الله.
الخليج العربي سيكون مسروراً بهذه السياسة التي تمثل مطلباً له للركوب في قاطرة حل الأزمة السورية. والأيام والأشهر المقبلة ستوضح دوافع التصعيد الأميركي الحقيقية ضد إيران.
الغد 2017-02-09