"بقي الفلسطينيون أيتاماً"
في مقالة لها بالعنوان أعلاه في صحيفة "هارتس" في 10/ 11/ 2016، (نُشرت ترجمته في "الغد" باليوم التالي)، كتبت الصديقة النسبية اليهودية الإسرائيلية للفلسطينيين في فلسطين المغتصبة، أميرة هاس، لتبين أن الفلسطينيين خرجوا من مولد ترامب بلا حمص، أو كأيتام على موائد اللئام. تُرى هل هي مصادفة أم قاعدة أن كلاً من هيلاري كلينتون ودونالد ترامب مصاهر لليهود؟ طبعاً، لا اعتراض أخلاقياً على ذلك أبداً. فابنة كلينتون تشلسي متزوجة من شاب يهودي، وابنة ترامب إفانكا متزوجة من جارد كوشنير الذي عينه ترامب مستشاراً كبيراً له. وقد تهودت إفانكا تهويداً أرثوذكسياً، ومن ثم فإنها كزوجها تستطيع اكتساب الجنسية الإسرائيلية عندما تريد. كما تباهى ترامب في أثناء الحملة الانتخابية قائلاً: "ابنتي ستنجب لي حفيداً يهودياً جميلاً". لكن اليهود الصهاينة لا يكتفون بذلك ولا يعولون عليه فقط، بل يتغلغلون في إدارة حملة كل مرشح، ويمولونه ويروجون إعلامياً له. وبذلك يضمنون مصالحهم ومصلحة إسرائيل أياً كان الفائز وفي جميع الأحوال.
لقد انشغل مسلمون، عرب وغير عرب، بالإرهاب ومارسوه على مستوى العالم، فوحدوا شعوب العالم ودوله ضدهم، بسبب قلق هؤلاء من إمكانية أو احتمال وقوع المجهول، وهو تفجير انتحاري بحزام ناسف أو سيارة مفخخة بالناس الأبرياء المصادفين. وبهذا الوضع تعيش الشعوب والدول على أعصابها على مدار الساعة مستنفرة كل أجهزتها الوقائية، ومنفقة أموالاً طائلة على حساب تنميتها ورفاهيتها لأن جماعات الإرهاب لا تكف عن التهديد به.
لقد اختار عدد من المسلمين الطريق أو المنهج الخطأ لتحقيق أهدافهم، وربما كانت الطريق أو المنهج خطأ لأن أهدافهم في هذا العصر خاطئة، حيث لم يعد –مثلاً- مكان أو مجال لإقامة دولة دينية في عصر الحرية والتعددية وحقوق الإنسان، تضم جميع شعوبهم المنقسمة على نفسها؛ دينياً أو طائفياً أو مذهبياً أو عرقياً أو أثنياً. كما إنهم لا يستطيعون الانتصار على العالم بهذه الوسيلة وتركيعه.
لقد أنشأوا استراتيجيتهم في القتل الأعمى على أساس النصوص وعلى طبيعة العصر أو النظام السلفي السابق، ناسين أو متناسين أن المسلمين اليوم هم الأكثر أميةً وجهلاً وفقراً وانقساماً في العالم المعرفي والغني الموحد ضدهم. ها هي إسرائيل التي واجهناها بهذا الأسلوب تصبح المستفيد الأكبر أو الأعظم منه. لقد دفعت إسرائيل والدول المتقدمة على تطوير تقنيات وأجهزة أمنية وعسكرية تعطل هذه الوسيلة، وإلى ظهور علوم وآداب وفنون واقتصاد مختصة بالإرهاب أو ناجمة عنه. لقد ظنت "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"كتائب شهداء الأقصى"... أنهم يفتكون بها ويحاصرونها به، ليكتشفوا بعد فوات الأوان أنها تفتك بهم وتحاصرهم من جميع الجهات وتعجزهم عن القيام بعملية بسيطة واحدة.
لطالما نبهت إلى قانونين في المقاومة استخلصتهما من هذا المنهج هما: لا تستخدم وسيلة مقاومة ضد عدوك لا تستطيع الاستمرار بها إلى النهاية؛ ولا تستخدم وسيلة مقاومة ضد عدوك هو أمهر وأقوى بها منك ضده.
لا تستطيع فلسطين المغتصبة تقليد فيتنام المحتلة أميركياً في حينه، في المقاومة؛ فحول فلسطين دول وشعوب لا تستطيع تحمل نتائج هذا المذهب عليها، وبخاصة بعد أن تحولت القضية من عربية إلى فلسطينية بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية (لا منظمة تحرير فلسطين على سبيل المثال)، بينما كانت حدود فيتنام مفتوحة لدعم متواصل من الاتحاد السوفياتي والصين. كما تختلف جغرافية فلسطين أو تضاريسها ومساحتها عن جغرافية فيتنام وتضاريسها ومساحتها.
أضف إلى ذلك وربما يأتي في المقدمة، أن فلسطين لم توفق يوماً بقيادة تاريخية حكيمة منبثقة من رحم الشعب والقضية، بل كانت دوماً نتاجاً لتدخلات أو تفاهمات عربية.
الغد 2017-02-10